يُصاب بعض الأطفال باضطرابات عصبية بسبب الاختلالات التي قد تحدث أثناء نموهم مؤثرةً في نمو الدماغ، وعادةً ما تكون مرتبطةً بحدوث طفرات جينية للخلايا الجنسية أو الجسدية خلال مرحلة التطور والنمو، أو قد تنجُم عن عوامل بيئية خارجية،[1] إذ تشكل الأمراض العصبية تحديًا للخبراء بسبب طبيعتها الجينية المعقدة، وغياب تصور شامل لآلية حدوثها عدا عن تعذُّر تصميم خطة علاجية تستهدفها بدقة، ومن أشهر الأمثلة على هذه الاضطرابات العصبية متلازمة ريت (Rett syndrome).[2]
ماهي متلازمة ريت؟
تُعرف متلازمة ريت على أنها اضطراب عصبي شديد يصيب الإناث عادةً، كما أنه نادر الحدوث، ولا تظهر أعراضه إلّا بعد مرور الفترات الأولى من حياة الطفل التي تمتد بين 6 أشهر وحتى 18 شهرًا، بعدها تبدأ علاماته الرئيسية بالظهور تدريجيًا وتتمثل عامةً بتراجع ملحوظ للتطور الإدراكي والمهارات الحركية لدى المصاب بهذه المتلازمة، وتشمل فقدان الوظائف الحركية الطبيعية لليدين والقدرة على استخدامها وتُستبدل بحركات لا إرادية، بالإضافة إلى خسارة القدرة على الكلام أو التواصل، والمعاناة من اختلالات خلال المشي والحركة،[3][4] كما قد يتبعها معاناة المصابات بالصرع، والشلل، وضعف في القدرات الإدراكية، واضطرابات في النمو، أو التغذية، واضطرابات النوم، والميل لصك الأسنان (صرير الأسنان).[4]
يُشار إلى أنّ متلازمة ريت تحدث بسبب تحوّر جيني معقد مرتبط بالكروموسوم إكس (X) لذا فهو يصيب الإناث في المقام الأول، وعادةً ما ترتبط 90-95% من الحالات المسجلة لمتلازمة ريت بطفرة في جين (MECP2)، ومن الجدير بالذكر انّ هذه المتلازمة هي أشهر الأسباب الجينية المسببة لإعاقات النمو الذهني لدى الإناث، إذ تصيب 1 من كل 10 آلاف أنثى دون سن الثانية عشر.[3][4]
آثار متلازمة ريت على المريض
شُخصت متلازمة ريت للمرة الأولى سنة 1986 ميلادي على يد علماء الأعصاب جيلينجر (Jellinger) وسايتلبورغر (Seitelberger)، إذ وجدا أنّ دماغ المصابين بهذه المتلازمة ذو وزن أقل، بالإضافة إلى احتواء الأعصاب والمادة السوداء في دماغ المصابين على كميات أقل من الميلانين.[5]
تُشير الدراسات إلى أنّ متوسط العمر الذي يُكتشف فيه عادةً إصابة الطفل بمتلازمة ريت يبلغ 3.5 عام تقريبًا، كما أشارت أيضًا إلى أنّ 80% من المصابين يعانون من سوء التغذية على الرغم من عدم وجود مشاكل تتعلق بشهيتهم تجاه الطعام، والتي عادةً ما تعود لمشاكل في المضغ، والبلع، والارتجاع التي يعاني منها المرضى، وهذا يدل على الانخفاض الكبير في جود الحياة لدى من يعاني من متلازمة ريت.[6]
بالإضافة إلى ما سبق، لا تتوقف آثار متلازمة ريت فقط على المصاب، بل تؤثر بدرجة كبيرة في الحالة النفسية لأهالي المرضى، فقد أشارت الدراسات إلى معاناتهم من التوتر، بالإضافة إلى الحزن المستمر.[7]
علاج متلازمة ريت
يتمحور علاج متلازمة ريت عادةً حول السيطرة فقط على الأعراض المرافقة لها، إذ لا يوجد علاج نهائي للمتلازمة،[8] إلّا أنه مؤخرًا، وافقت إدراة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) سنة 2023 ميلادي لأول مرة على دواء لعلاج متلازمة ريت لدى الأطفال البالغين سنتين من العمر فأكثر، يدعى تروفينتيد (Trofinetide).[9]
كما أشارت دراسة مخبرية حديثة منشورة في مجلة (Stem Cell Reports) سنة 2024 ميلادي إلى إمكانية استعمال أحد الأدوية المستخدمة في علاج السرطان لاستعادة القدرات العقلية لدى مرضى متلازمة ريت، وهو دواء (ADH-503) المستخدم لعلاج سرطان البنكرياس -ما زال في المراحل الأولى من التجارب السريرية-، إذ وجد الباحثون أن بمقدوره استعادة وظائف البلعمة (Phagocytosis) وتحفيز تشكل الروابط العصبية، وذلك بعد تجربته على أدمغة فئران مخبرية نُزعت منها الخلايا الدبقية الصغيرة (Microglia) المسؤولة عن البلعمة التي تخلص الأعصاب من الأجسام الغريبة التي تؤثر في تواصلها ونقل الإشارت بينها، إذ لاحظ الباحثون تحسن الوظائف الإدراكية لدى الفئران بعد استخدام الدواء.[10]