يُعد سرطان الغدد جارات الدرقية (Parathyroid Carcinoma) من أندر أنواع السرطانات وأقلها انتشارًا، إذ تُقدر نسبة الإصابة به بين جميع أنواع السرطان الأُخرى 0.005 بالمئة فقط، وفي إنجلترا، منذ تسجيل أول حالة له على يد الجراح السويسري دي كورفان (de Quervain) عام 1904 ميلادي سُجلت 1000 حالة فقط منه لغاية هذا اليوم، وغالبًا ما تكون احتمالية الإصابة به مُتساوية بين النساء والرجال، ويُصاب به المرضى بين 45-59 عامًا من أعمارهم.[1]
أين تقع الغدد جارات الدرقية؟
تقع الغدد جارات الدرقية (Parathyroid Glands) بالقرب من الجانب الخلفي للغدة الدرقية، لذا سُمّيت بهذا الاسم، وتتكوّن عادةً من أربع غدد تُشبه حبة الفاصولياء ذات لونٍ بُنيٍ فاتح، ويبلغ حجم الواحدة منها بين 20-40 ملليغرام، ولكن قد يتفاوت عدد الغدد جارات الدرقية من شخصٍ لآخر.[2][3]
وظيفة الغدد جارات الدرقية
تُفرز الغدد جارات الدرقية هرمون الجار درقي (Parathyroid hormone)، وتتمثّل وظيفته في المُحافظة على توازن مستوى الكالسيوم في الدم،[2] فعندما تستشعر الغدد جارات الدرقية انخفاضًا في مستوى الكالسيوم في الدم تُطلق الهرمون الجار درقي، الذي يرفع من مستواه في الدم في غضون دقائق،[3] ذلك بعدة طُرق:[3][4]
- تعزيز إعادة امتصاص الكالسيوم في الأنبوبة البعيدة الكلوية، وتقليل امتصاص الفوسفات، بالإضافة إلى تحفيز إنتاج الكالسيتريول (Calcitriol) وهو الشكل الأكثر نشاطًا وفعاليّة من فيتامين د.
- إطلاق الكالسيوم والفوسفات المُخزنين في العظام.
- زيادة قدرة الأمعاء على امتصاص الكالسيوم من الطعام المُتناوَل.
سرطان الغُدد جارات الدُرقية
سرطان الغدد جارات الدرقية من السرطانات النادرة التي تصيب الغدد الصماء، وهو أحد أسباب الإصابة بفرط نشاط الغدد جارات الدرقية الأولي (Primary hyperparathyroidism)، وله نوعان؛ النوع الوظيفي من سرطان الغدد جارات الدرقية وفيه يرتفع مستوى هرمون الجار درقي ويتبعه ارتفاع مستوى الكالسيوم في الدم، والنوع غير الوظيفي من سرطان الغدد جارات الدرقية وهو نادرٌ جدًا ويتميز ببقاء تركيز الكالسيوم في الدم والهرمون جار الدرقي ضمن مستوياتٍ طبيعية.[5]
أسباب سرطان الغدد جارات الدرقية
يُذكَر بأنّ سبب الإصابة بسرطان الغدد جارات الدرقية غير معروف،[6] لكن تتعدد العوامل التي تزيد من احتمالية الإصابة بهذا النوع من السرطانات، من أبرزها:[6][7]
- الإصابة بمُتلازمة الأورام الصماوية المتعددة من النوعين الأول والثاني (Multiple Endocrine Neoplasia syndrome Type 1&2).
- الإصابة بمُتلازمة فرط هرمون الجار درقي المُرتبط بالفك (Hyperparathyroidism-jaw tumor syndrome).
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بسرطان الغدد جارات الدرقية.
- تعرُّض منطقة العُنق للعلاج الإشعاعي.
أعراض سرطان الغدد جارات الدرقية
تظهر الأعراض السريرية لسرطان الغدد جارات الدرقية نتيجةً لارتفاع الهرمون جار الدرقي وتأثيره في مستوى الكالسيوم في الدم، أو كما يُسمى بحالة فرط كالسيوم الدم (Hypercalcemia)، كما يُظهر الفحص السريري لدى غالبية المرضى وجود كتلة بارزة، وواضحة، ومحسوسة في منطقة الرقبة،[8] وتتضمّن الأعراض:[6][9]
- حصوات في الكلى.
- عدم انتظام ضربات القلب (Arrhythmias).
- هشاشة العظام (Osteoporosis) وكسورها.
- ألم في العظام.
- الإمساك.
- الشعور بالتعب.
- الإحساس المتكرر بالعطش.
- كثرة التبوُّل.
- الغثيان والتقيؤ.
- ضعف العضلات.
- انخفاض معدل الشهية للطعام.
تشخيص سرطان الغدد جارات الدرقية
يواجه الفريق الطبي صعوبةً بالغة في تشخيص سرطان الغدد جارات الدرقية، وفي مُعظم الحالات تؤخذ عينة من أنسجة الغدد جراحيًا، لِغايات إجراء الفحص النسيجي لتحديد فيما إذا كانت سرطانيةً أم لا.[5]
يكشف الفحص السريري لدى 50 بالمئة من المرضى عن وجود كتلةٍ بارزة في منطقة العُنق، وهذا العرض السريري يُشير إلى احتمالية تشخيص المريض بسرطان الغدد جارات الدرقية، إذ إنّ هذه الكتلة لا تظهر لدى حالات الإصابة بأورام جارات الدرقية الحميدة (Benign parathyroid adenomas)، أو حالات فرط تنسُج الغدد (Hyperplasia).[10]
أمّا الفحوصات المخبرية فتشمل فحص هرمون جار الدرقي ومستوى الكالسيوم في الدم، وتميل مستويات هرمون الغدد الجار درقية والكالسيوم إلى أن تكون مُرتفعة للغاية إذا ما قُورِنت بحالة فرط نشاط الغدد جارات الدرقية، إذ يُشتبه بوجود سرطان الغدد جارات الدرقية في حال كانت قراءة الهرمون ثلاثة أضعاف الحد الأعلى الطبيعي، أما إذا بلغت 10 أضعاف الحد الأعلى الطبيعي، فهذا يؤكد وجود السرطان بنسبة 84 بالمئة لدى المرضى.[6]
كما تُستخدم تقنيات المسح الإشعاعي، مثل تقنية المسح باستخدام التكنيشيوم (Technetium-99 m sestamibi scan)، والذي يُلجأ إليه قبل أي إجراءٍ جراحيٍ للغدد، بالإضافة إلى التصوير بالأشعة فوق الصوتية لمنطقة العُنق.[5]
علاج سرطان الغدد جارات الدرقية
يُعد استئصال الغدد جارات الدرقية جراحيًا الخيار العلاجي الفعال والوحيد للسيطرة على المرض،[10] ويُجرى ذلك بعملية تُسمى الاستئصال الكُتليّ -إزالة الورم ككتلة واحدة دون مساسه من خلال استئصال الأنسجة السليمة التي تحيط به-(En bloc resection)، وتُعرَّف على أنّها إزالة الورم في الغدد جارات الدرقية بدقة، واستئصال جميع الأنسجة المصابة بالسرطان، والتي يمكن أن تشمل أجزاءً من الغدة الدرقية، أو القصبة الهوائية، أو جدار المريء، كما يجب إزالة أي غدد ليمفاوية متضخمة، أو يُشتبه إصابتها بالورم خاصةً تلك التي توجد في الرقبة.[1]
قبل إجراء الاستئصال الكُتلي لا بُدّ من ضبط تركيز الكالسيوم في الدم،[10] ويمكن ذلك من خلال اللجوء إلى عدّة خيارات دوائية:[9][10]
- مدرات البول، كدواء الفيروسيمايد (Furosemide) بالإضافة إلى السوائل الوريدية.
- هرمون الكالسيتونين (Calcitonin).
- بعض الأدوية التي تمنع تكسّر العظام أو حدوث الارتشاف العظمي.
أما العلاج الإشعاعي فاستخدامه محطَّ جدل، إذ قد يقلل العلاج الإشعاعي بالحزم الخارجية (External beam radiation therapy) من الإصابة بالمرض مُجددًا بعد الاستئصال الجراحي للغدد، ولكن لا يوجد دلائل كافية تؤكد فعاليته،[10] فقد أشارت دراسة نُشرت في مجلة (Annals of Surgical Oncology) في عام 2020 ميلادي وتحمل عنوان (استخدامات وفوائد العلاج الإشعاعي المساعد في سرطان الغدة الجار درقية؛ تحليل القاعدة الوطنية لبيانات السرطان) إلى أنّ العلاج الإشعاعي بالحزم الخارجية ليس له أي فائدة في زيادة فرص البقاء على قيد الحياة، خاصة لدى المرضى الذين يعانون من سرطان موضعي وسبق خضوعهم لاستئصال جراحي كامل للورم.[11]
بالإضافة لذلك يُعد العلاج الكيميائي غير فعالٍ لعلاج سرطان الغدد جارات الدرقية، إذ لا توجد تجارب سريرية تؤكد فعالية العلاج الكيميائي لهؤلاء المرضى، إنما وردت تقارير عن حالات فردية عُولجت باستخدام العلاج الكيميائي ولا يمكن الاعتماد عليها كمرجع، لذا تُحدد الخيارات العلاجية للمرضى لكل حالةٍ على حدة.[1]
الرعاية ما بعد جراحة استئصال سرطان الغدد جارات الدرقية
بعد إجراء استئصال الغدد جارات الدرقية من المُهم مُراقبة المرضى وإجراء فحوصات دورية لكلٍ من الكالسيوم وهرمون الجار درقي،[10] إذ يُشير الانخفاض الشديد في مستوى الكالسيوم والفوسفات في الدم إلى نجاح الإجراء الجراحي وهو ما يُعرف بمُتلازمة العِظام الجائعة (Hungry bone syndrome)، لذا قد يحتاج بعض المرضى لمُكملات الكالسيوم وفيتامين د بشكله النشط.[5]
أمّا في حال مُلاحظة ارتفاع تراكيز الكالسيوم أو هرمون الجار درقي، لا بُد من مُراجعة الطبيب المُختص، إذ قد يُشير ذلك إلى الإصابة بالورم مجددًا.[10]
توقعات سير المرض
قد تكون توقعات سير المرض غير جيدة، نتيجةً لعدم السيطرة على فرط ارتفاع مستوى هرمون الغدة الدرقية والكالسيوم في الدم، وهما السببان الرئيسيان لوفاة مرضى سرطان الغدد جارات الدرقية، ويتراوح مُعدل البقاء على قيد الحياة لمدة خمس سنوات 78-85 بالمئة، بينما يكون 49-70 بالمئة خلال عشر سنوات، أما احتمالية انتقال الورم لأعضاء الجسم الأُخرى فتتراوح ما بين 10-30 بالمئة، وغالبًا ما ينتقل المرض للرئتين، والعظام، والكبد.[12]
أما عودة المرض بعد مرور فترة من التعافي منه فقد تصل إلى 33 بالمئة، وفي هذه الحالات يُعد العلاج الجراحي فعّالًا، كما يصاب 33% من المرضى بأورامٍ شرسة قد تُودي بحياة المصابين بها بعد فترةٍ قصيرة.[6]