يُعد تصلُّب الشرايين (Arteriosclerosis) أحد الأمراض القلبية الوعائية التي تمثل أحد أهم أسباب الوفاة عالميًا، وهو مرضٌ يصيب جدران الشرايين في جسم الإنسان، ممّا قد يعيق وصول الدم لأنسجة الجسم المختلفة.[1]
ما هي الشرايين؟
الشرايين (Arteries) هي أحد أنواع الأوعية الدموية في جسم الإنسان، وهي مسؤولة عن نقل الدم المُحمّل بغاز الأكسجين والمُغذيات من عضلة القلب إلى سائر أجهزة الجسم، تتكوّن جدران الشرايين من ثلاثِ طبقات:[1][2]
- الطبقة الداخلية (Tunica Intima):
يمر خلالها الدم المُحمّل بالأكسجين والمغذيات، وتبطنها طبقة من خلايا تُعرف بالخلايا الباطنية (Endothelial Cells).
- الطبقة الوسطى (Tunica Media):
تحتوي على نسبة أكبر من العضلات الملساء التي تُمكّنها من التمدّد والانقباض اللازمين لمرور الدم خلال الشرايين.
- الطبقة الخارجية (Tunica Adventitia):
تتكون من الأنسجة الضامة والكولاجين والألياف المرنة، وتتصل من خلالها الشرايين بأنسجة الجسم الأُخرى.
ما هو تصلُّب الشرايين؟
يشير مصطلح تصلُّب الشرايين (Arteriosclerosis) إلى تيبّس جدران الشرايين، ما ينجم عنه فقدانها لمرونتها الطبيعية،[1] ويُقسم تصلب الشرايين إلى نوعين:
تصلُّب الشرايين العصيدي
تصلُّب الشرايين العصيدي (Atherosclerosis) هو أحد الأمراض الالتهابية المزمنة التي تصيب جدران الشرايين مُسبّبةً تراكم اللويحات داخلها لتؤدي إلى تضيُّق الشرايين وإعاقة تدفق الدم عبرها، نتيجة تعرُّض الشرايين -خاصةً طبقة الخلايا الباطنية- للتلف الناجم عن بعض العوامل أو المشكلات الصحية،[1][3]، من أبرز هذه العوامل:[1][3]
- ارتفاع ضغط الدم.
- مرض السكري.
- ارتفاع مستوى الكوليسترول والدهون الثلاثية في الدم.
- التقدُّم في العمر (بتجاوز عمر 45 عامًا لدى الذكور، و55 عامًا لدى الإناث).
- التدخين.
- اتباع حمية غذائية غنية بالدهون غير الصحية أو الإصابة بعُسر شحميات الدم (Dyslipidemia).
- عدم ممارسة الأنشطة البدنية.
- التاريخ الوراثي للإصابة بمرض تصلُّب الشرايين العصيدي أو نتيجة طفرات جينيّة معيّنة.
- السمنة.
ترجع الإصابة بمرض تصلُّب الشرايين العصيدي إلى تجمُّع الخلايا الالتهابية في المنطقة المصابة من جدران الشرايين، إذ ترسل الخلايا الالتهابية بعض الإشارات الكيميائية التي تسمح بتراكم الكولستيرول ومخلفات الخلايا في المنطقة المصابة من جدران الشرايين، ما يستحثّ استحضار خلايا الدم البيضاء لتلتهم الكوليسترول، فتتكوَّن بذلك لويحات (Plaque) من الكوليسترول وخلايا الدم البيضاء، والتي تتسبب بدورها في تضييق الشرايين؛ مما يعيق مرور الدم المُحمّل بالأكسجين خلالها، ومن الجدير بالذكر أن تجمُّع هذه اللويحات قد يبدأ منذ مرحلة الطفولة وتتفاقم المشكلة مع التقدُّم في العمر.[1][3]
قد يصيب التصلُّب العصيدي مختلف الشرايين في جسم الإنسان، وتختلف تسميته باختلاف موقع الشريان المُصَاب، إذ يُعرف التصلُّب العصيدي بمرض الشريان التاجي (Coronary Artery Disease (CAD)) في حال تصلُّب الشرايين التاجية المسؤولة عن تروية عضلة القلب،[4] كما يُعرَف بمرض الشريان المحيطي (Peripheral Artery Disease) في حال تجمُّع اللويحات على جدران أحد الشرايين في الساقين، أو الذراعين، أو منطقة الحوض.[5]
تصلُّب الشرايين غير العصيدي
يتسبّب تصلب الشرايين غير العصيدي (Non Atheromatous Arteriosclerosis) في زيادة سُمك الطبقة الداخلية وإضعاف وضمور الطبقة الوسطى من جدران الشرايين المُصابة، فضلًا عن زيادة قطر التجويف الداخلي للشرايين فيما يُعرف بالتوسع الوعائي (Ectasia)،[6] وينقسم تصلُّب الشرايين غير العصيدي بدوره إلى نوعين:
تصلُّب مُنكيبيرغ التكلسي
تصلُّب مُنكيبيرغ التكلسي (Monckeberg Medial Calcific Sclerosis)/(Monckeberg’s Arteriosclerosis) هو تكلُّس الطبقة الوسطى فقط من جدران الشرايين أو تكلُّس الطبقتين الوسطى والداخلية كما تشير بعض الدراسات، ما يسفر عن تيبُّس وتصلُّب أجزاء من الشريان دون حدوث تضييق في فتحة مجرى الدم خلال الشريان، ويُعد تصلُّب مُنكيبيرغ التكلسي أكثر شيوعًا مع التقدُّم في العمر (بالأخص بتجاوز عمر الخمسين)، وفي حالات الإصابة بمرض القصور الكلوي المزمن (Chronic Kidney Disease).[1][6]
تصلب الشريّنات
تصلب الشريّنات (Arteriolosclerosis) هو زيادة سمك جدران الشرينات أو الشرايين الصغيرة (Arterioles) التي تصل بين أطراف الشرايين والشُعيرات الدموية، قد يصيب تصلُّب الشريّنات مختلف أنسجة الجسم، وتزاد احتمالية الإصابة بتصلب الشُرينات في حال ارتفاع ضغط الدم أو مرض الكبد الناجم عن البلهارسيا،[1] وينقسم تصلُّب الشرينات إلى نوعين:[1][6]
- تصلُّب الشرينات من النوع هايلين (Hyaline Arteriolosclerosis):
هو النوع الأكثر شيوعًا بين مرضى ارتفاع ضغط الدم ومرضى السكري، وغالبًا ما يصيب الشرينات الدموية في الكلى أو الدماغ.
- تصلب الشرينات مُفرط التنسُّج (Hyperplastic Arteriolosclerosis):
وهو الذي يتسبّب في تضيُّقٍ ملحوظ في مجرى الدم خلال الشرينات، كما قد يصاحبه حدوث بعض الترسبات الليفينية (Fibrinoid Deposits) فضلًا عن تنخّر (موت أنسجة) جدران الشرينات (Necrotizing Arteriolitis)، وهو أكثر شيوعًا بين المرضى الذين يُعانون من ارتفاع ضغط الدم الشديد.
أعراض تصلب الشرايين
تختلف الأعراض المُصاحبة لمرض تصلب الشرايين باختلاف نوعه:
أعراض تصلُّب الشرايين العصيدي
قد لا يعاني مريض تصلُّب الشرايين العصيدي من أيّ أعراضٍ في المراحل الأُولى من الإصابة بالمرض، والجدير بالذكر أنه غالبًا ما يرتبط شعور المريض بالأعراض نتيجة حدوث تضيُّقٍ شديد أو انسدادٍ كامل في أحد شرايين الجسم،[7] فقد يعاني المريض في حال تصلُّب الشرايين التاجية في عضلة القلب من بعض الأعراض التي عادةً ما تقترن ببذل مجهودٍ بدني:[8]
- ضيق التنفُّس.
- شعورٌ بألم أو ما يُشبه الانقباضات في الصدر قد تمتد إلى الفك أو الرقبة أو الذراعين أو الظهر أو أعلى البطن.
وفي حال تصلُّب أحد الشرايين المسؤولة عن تروية الأطراف في الجسم عندئذ قد يعاني المريض من عدّة أعراض:[5]
- العرج (Claudiacation): الشعور بألم في الأطراف أثناء المشي، وذلك نتيجة ضعف تدفق الدم الواصل إليها، لكن الألم يزول بالحصول على قسطٍ من الراحة.
- الشعور بالحرقة في باطن القدم، وبالأخص في المساء ممّا قد يمنع المريض من النوم، يظهَر هذا العرَض في الحالات الشديدة من تصلب الشرايين الطرفيّة.
- ضعف الانتصاب، وهي أحَد المؤشرات المبكرة لتصلب أحد الشرايين الطرفيّة.
أعراض التصلُّب غير العصيدي
غالبًا لا يتسبّب التصلُّب غير العصيدي بأيّ أعراضٍ في المراحل الأُولى، فقد يكتشفه الطبيب بمحض الصدفة لدى خضوع المريض لبعض الفحوصات الطبية بغرض علاج أو تشخيص مشكلاتٍ صحية أُخرى، ويرتبط حدوث الأعراض ببعض المضاعفات التي قد يُحدثها المرض، مثل أُم الدم أو تمدد الأوعية الدموية (Aneurysm)، وهي تُشير إلى تضخُّم غير طبيعي في جدار الشريان نتيجة ضعفه.[6][9]
علاج تصلُّب الشرايين
تتنوّع أساليب العلاج المُتَبعة من الأطباء لعلاج تصلب الشرايين، وتنقسم طرق العلاج تبعًا لنوع المرض:
علاج تصلُّب الشرايين العصيدي
يعتمد علاج تصلُّب الشرايين العصيدي على السيطرة على المشكلات الصحية التي تُسهم في تطوّر المرض، وذلك عن طريق استخدام بعض العلاجات:[10][11]
- أدوية الستاتينات (Statins) للتحكم في مستويات الكوليسترول والدهون الثلاثية في الدم.
- الأسبرين (Aspirin) للوقاية من تكوُّن التجلطات الدموية في الشرايين.
- أدوية ارتفاع ضغط الدم، أبرزها مثبطات الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (Angiotensin-Converting Enzyme (ACEs) Inhibitors)، وحاصرات مستقبلات الأنجيوتينسين 2 (Angiotensin II Receptor Blockers (ARBs))، ومدرّات البول، وحاصرات قنوات الكالسيوم، والأدوية المُوسعة للأوعية الدموية، للتحكُّم في ارتفاع ضغط الدم بالحفاظ على مستوى ضغط الدم أقل من 130/85.
بالإضافة إلى السيطرة على مرض السكري بالحفاظ على مستوى الهيموجلوبين السكري (HbA1c) أقل من 7%، وذلك بممارسة الرياضة واتباع نمط غذائي صحي، فضلًا عن استخدام أدوية مرض السكري الموصوفة من الطبيب المُختّص، والتي تتلاءم مع حالة المريض.[10]
كما يُنصح للتحكُّم في تصلُّب الشرايين العصيدي باتباع نمط غذائي سليم غني بالألياف، والفواكه، والخضراوات، والأسماك الدهنية، والدهون الأُحادية غير المُشبعة، مع تجنُّب اللحوم الحمراء والمُصنَّعة والدهون المتحولة، والحرص على ألّا يتجاوز ما يتناوله المريض من ملح الطعام عن 5 جرامات في اليوم.[10]
فضلًا عن الإقلاع عن التدخين وممارسة الرياضة لمدة تتراوح بين 90 إلى 150 دقيقة يوميًا.[10]
علاج تصلُّب الشرايين غير العصيدي
يعتمد علاج تصلُّب الشرايين غير العصيدي على التحكُّم في المشكلات الصحية التي قد تزيد من خطورة تصلُّب الشرايين غير العصيدي، مثل ارتفاع ضغط الدم.[6]