اللاهيدروكلوريّة (فقدان حمض المعدة): أسبابها، وطرق علاجها الممكنة

تُنتج الخلايا الجدارية في المعدة حمض الهيدروكلوريك عند تناول الطعام، ولكن قد تتوقف هذه الخلايا عن إفراز هذا الحمض مُسبّبًا مشكلة صحية تُعرف باللاهيدروكلورية، يمكن أن يكون سبب هذا الاضطراب بعض الأمراض المناعية، أو نتيجةً لتناول بعض الأدوية التي تقلل من إنتاج حمض المعدة، وتُعالَج هذه المشكلة بتحديد سببها، إذ يضع الطبيب خطة علاجية متخصصة لكل مريض بناءً على الأسباب المحتملة لانخفاض مستوى حمض المعدة.

اللاهيدروكلوريّة (Achlorhydria) هي مُشكلة صحيّة تحدث نتيجة عدم إنتاج حمض الهيدروكلوريك (Hydrochloric acid) من خلايا المعدة، إذ يُعد واحدًا من مكونات الأحماض المَعديّة، وله دورٌ أساسي وحيوي في عملية هضم الطعام، فضلًا عن حماية الجسم من الجراثيم الضارة التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان من خلال الطعام والشراب اللذان يتناولهما.[1]

ما هو حمض الهيدروكلوريك، وما دوره في الجسم؟

تُفرز الخلايا الجدارية (Parietal cells) في المعدة حمض الهيدروكلوريك، الذي يُعدّ المكون الرئيس لأحماض المعدة، ويتكون هذا الحمض من ذرة هيدروجين، وذرة كلور، يُفرَز كُل منهما على حِدة عبر مضخات الهيدروجين-البوتاسيوم (Hydrogen-Potassium ATPase Pumps)، وقنوات الكلور الموجودة في الخلايا الجدارية.[2]

يلعب حمض الهيدروكلوريك دورًا حيويًا في هضم الطعام،[2] كما يُسهم أيضًا في عددٍ من الوظائف الأُخرى:[2][3]

  • توفير بيئة حمضية تُعزز عملية تحويل الببسينوجين (Pepsinogen) لشكله النشط البِبسين (Pepsin)، الذي يُعد أحد إنزيمات المعدة الضرورية لهضم البروتينات.
  • حماية الجسم من الجراثيم؛ تُمثل عُصارة المعدة المكونة من حمض الهيدروكلوريك، والببسين، وإنزيم الليباز (Lipase) خط الدفاع الأول في الجهاز الهضمي لحمايته من الجراثيم، إذ يبلغ الرقم الهيدروجيني للمعدة -والذي يُشير إلى درجة حموضتها- ما دون الـ 4، ونظرًا لانخفاض درجة حموضة المعدة، فإنها تقضي على البكتيريا في غضون 15 دقيقة، ومن الجدير بالذكر أنّ ارتفاع الرقم الهيدروجيني للمعدة لأكثر من 4 يؤدي إلى تضاؤل قدرتها على قتل الجراثيم أو تثبيطها.
  • امتصاص بعض المعادن والفيتامينات؛ تُساعد أحماض المعدة على امتصاص الكالسيوم والحديد من الأغذية المُتناولَة.

ما هي اللاهيدروكلوريّة؟

تُعرّف اللاهيدروكلورية على أنها توقُّف إفراز حمض الهيدروكلوريك من خلايا المعدة، كما يمكن وصف هذه الحالة الصحية بدقة على أنها ذروة إنتاج حمض الهيدروكلوريك من خلايا المعدة كاستجابة لمُحفّزٍ ما أُدخِل للمعدة، يتبعها قياس لقيمة الرقم الهيدروجيني في المعدة فيكون أعلى من 5.09 عند الرجال و6.81 عند النساء.[4]

قد يحتاج بعض المرضى المُشتبه إصابتهم باللاهيدروكلورية إلى إجراء اختبار حمض المعدة، والذي يُجرى بالطرق القديمة من خلال إدخال أنبوب عن طريق الأنف إلى المعدة وشفط القليل من سوائلها، وقد استُبدلت هذه الطريقة نظرًا لتسببها بانزعاج لدى المرضى وعدم دقتها، بمُعادلة حسابية بسيطة لقياس مستوى الحمض في المعدة من خلال قياس مستوى البيبسينوجين 1 (Pepsinogen I) في الدم ووجود جرثومة المعدة أو غيابها.[4]

أسباب اللاهيدروكلوريّة

تتعدّد أسباب الإصابة باللاهيدروكلورية، فمنها ما قد تُسببها بعض الاضطرابات التي تُلحق الضرر بالمعدة، وبعضها الآخر قد يكون نتيجةً لبعض الإجراءات الطبية، أو تناول أنواعٍ مُحددة من الأدوية،[1] من أبرز أسباب اللاهيدروكلورية:

  • فقر الدم الوبيل (Pernicious anemia):

هو اضطرابٌ مناعي ذاتي نادر، يحدث عندما تُهاجم الأجسام المُضادة -وهي جزء من الجهاز المناعي- الخلايا الجدارية وتُدمرها، وكما أُشير إلى أنّ الخلايا الجدارية تُنتج حمض الهيدروكلوريك، فإنّها أيضًا تُنتج بروتينًا مُعينًا يُسهم في امتصاص فيتامين ب 12 يسمى بالعامل الداخلي (Intrinsic factor)، لذا يتّسم فقر الدم الوبيل بعوز فيتامين ب 12 مما يُسبّب فقر الدم ضخم الأرومات (Megaloblastic anemia)، بالإضافة إلى اللاهيدروكلورية.[5]

  • عدوى بكتيريا الملوية البَوابية (Helicobacter pylori) المُزمنة:

تُحفز العدوى المُزمنة بالبكتيريا الملوية البَوابية -أو كما تُعرف بجرثومة المعدة- الجهاز المناعي على إفراز بروتيناتٍ مُعينة تُدعى بالسيتوكين (Cytokine)، والتي تؤثر في عملية تنظيم إفرازات المعدة، مما قد ينجم عنها اللاهيدروكلورية، بالإضافة لذلك فإنّ العدوى تُسبب التهاب المعدة (Gastritis) الأمر الذي يُثبط إفراز أحماضها.[4]

  • الاستخدام طويل الأمد لأدوية مُثبطات مضخة البروتون ( Proton-pump inhibitor drugs):

تُستخدم هذه الأدوية في علاج قرحة المعدة، وداء الارتجاع المعدي المريئي (Gastroesophageal reflux disease (GERD)) من خلال تثبيط إفراز حمض المعدة، ويُسبب استخدام هذه الأدوية لفتراتٍ طويلة الإصابة باللاهيدروكلورية.[6]

  • متلازمة فيرنر موريسون (Werner-Morrison):

تُسمى أيضًا الفيبوما (Vipoma)، وهي أحد أورام البنكرياس، وتتميز بثلاثة أعراضٍ رئيسية؛ الإسهال المائي، وانخفاض مستوى البوتاسيوم في الدم، واللاهيدروكلورية.[7]

  • قصور الغدة الدرقية (Hypothyroidism):

لهرمون الغدة الدرقية دورٌ في إفراز حمض الهيدروكلوريك، وبالتالي قد يؤدي قصور الغدة الدرقية إلى نقص حمض الهيدروكلوريك.[1]

  • جراحة المجازة المعدية (Gastric bypass surgery):

هي إجراء جراحي لمن يُعاني من السمنة المُفرطة، تتضمن مضاعفاتها اللاهيدروكلورية جرّاء نقص إفراز هرمون الغاسترين (Gastrin)، والذي له دورٌ أساسي بتحفيز إفراز حمض المعدة.[1]

أعراض اللاهيدروكلورية

تختلف أعراض اللاهيدروكلورية تِبعًا للمُسبب الرئيسي لها، وقد تظهر على المرضى مجموعة من الأعراض:[1][4]

  • ألم في منطقة رأس المعدة.
  • الشبع المُبكّر.
  • فقدان الوزن.
  • زيادة معدل حركة الأمعاء.
  • الشعور بالانتفاخ.
  • حرقة المعدة.
  • الغثيان أو التقيؤ.
  • الإسهال أو الإمساك.
  • ارتجاع حمض المعدة (Acid regurgitation).
  • الشعور بالتُخمة بعد تناول الطعام.
  • عُسر البلع (Dysphagia).
  • التهاب اللسان.

علاج اللاهيدروكلوريّة

يعتمد علاج اللاهيدروكلورية على مُسببها، إذ لا يتوفر علاجٌ نهائي لنقص حمض المعدة، فعلى سبيل المثال، قد يمكن القضاء على جرثومة المعدة كواحدة من طرق علاج اللاهيدروكلورية لدى المصابين بها،[1] ويمكن ذلك باستخدام خطة العلاج الثُلاثية للقضاء على اللاهيدروكلورية المرتبطة ببكتيريا الملوية البوابية، وتتكون الخطة من أحد أدوية مُثبطات مضخات البروتون، بالإضافة لنوعين من المضادات الحيوية؛ كلاريثروميسين (Clarithromycin) وأموكسيسيلين (Amoxicillin) أو ليفوفلوكساسين (Levofloxacin) في حال حساسية المريض من الأموكسيسيلين.[4]

أما كيفية علاج نقص حمض المعدة الناجم عن استخدام مُثبطات مضخات البروتون لفترةٍ طويلة، فيمكن علاجه بتقييد استخدام هذه الأدوية، واستبدالها بأدويةٍ أُخرى، مثل مُضادات الحموضة، أو حاصرات مُستقبلات الهيستامين من النوع الثاني (H₂ Receptor blockers) بعد استشارة الطبيب.[6]

كما تهدف علاجات اللاهيدروكلورية إلى تقليل المضاعفات المُحتملة للمرض،[1] ففي حال فقر الدم الوبيل ترتبط اللاهيدروكلورية بنقص فيتامين ب 12، لذا قد تكون حُقن فيتامين ب 12 ضروريةً لبعض المرضى،[4] بالإضافة لذلك لا بُد من تناول المُكملات الغذائية التي تحتوي على الكالسيوم، والحديد، وفيتامين د.[1]

يُذكر بأنّه يمكن تحسين مستوى حمض المعدة باستخدام أملاح هيدروكلوريد البيتين (Betaine hydrochloride)، والذي يُعد مُكملًا غذائيًا يمكن تناوله دون وصفةٍ طبية، ويوجد البتين طبيعيًا في بعض الخضراوات كالشمندر الأحمر، والسبانخ، وأيضًا في الحبوب الكاملة، وعلى الرغم من استخدامه كدواءٍ لزيادة حمض المعدة، إلا أنّ الفترة الزمنية اللازمة لاستخدامه وفعاليته لم تُجرَ دراستهما كُليًا على البشر.[8]

مضاعفات اللاهيدروكلورية

تكمن أهمية حمض المعدة في هضم الطعام، بالإضافة إلى تعزيز امتصاص الحديد، والكالسيوم، وفيتامين ب12،[9] لذا تتضمّن المضاعفات المُحتملة للاهيدروكلورية:

  • فقر الدم بسبب نقص الحديد (Iron deficiency anemia).[10]
  • نقص فيتامين ب 12.[1]
  • التعرُّض للكسور وهشاشة العظام نتيجةً لنقص الكالسيوم وفيتامين د.[1]
  • الإصابة بالأورام السرطانية في المعدة.[4]
  • احتمالية الإصابة بفرط نمو البكتيريا في المعدة، ولكن الدراسات في هذا الصدد مخبرية ولم يثبَت حدوثها لدى البشر بعد.[9]
كتابة: الصيدلانية مرام غرايبة - الإثنين ، 22 كانون الثاني 2024
تدقيق طبي: فريق المحتوى الطبي - طـبـكـان|Tebcan

المراجع

1.
Fatima R, Aziz M. (2023). Achlorhydria. [Updated 2023 Aug 14]. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing; 2023 Jan-. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK507793/
2.
Hsu M, Safadi AO, Lui F. (2023). Physiology, Stomach. [Updated 2023 Jul 17]. In: StatPearls [Internet]. Treasure Island (FL): StatPearls Publishing; 2023 Jan-. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK535425/
3.
Martinsen TC, Fossmark R, Waldum HL. (2019). The Phylogeny and Biological Function of Gastric Juice-Microbiological Consequences of Removing Gastric Acid. Int J Mol Sci. 2019 Nov 29;20(23):6031. Retrieved from https://doi.org/10.3390%2Fijms20236031

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية

تكلم مع استشاري جهاز هضمي وتنظير أونلاين عبر طبكان
احجز