يدير الجهاز العصبي الجسم بأكمله بصفته المسؤول عن التواصل بين أعضاء الجسم المختلفة، فهو يستقبل المعلومات منها ويجمعها حتى يستخدمها للتحكم بوظائف جسم الإنسان، كما يصاب الجهاز العصبي بالعديد من المشاكل الصحية التي تختلف أعراضها، لعلّ أبرزها الصداع بأنواعه المختلفة.[1]
يُعد الصداع من المشكلات التي تؤثر سلبًا في حياة الأشخاص الذين يعانون منه، وهو يصيب البشر من مختلف الأعمار، والأعراق، والمستويات الاجتماعية والاقتصادية، ويؤثر في جودة حياتهم من النواحي المختلفة، فترتفع معدلات القلق والاكتئاب مثلًا بين الأشخاص الذين يعانون من بعض أنواع الصداع المزمن،[2][3] فما هي أسباب الصداع المستمر؟ وكيف يمكن تخفيف وجع الرأس؟
ما هو الصداع؟
يمكن تعريف الصداع على أنه شعور بعدم الراحة في الرأس، أو فروة الرأس، أو الرقبة، وقد تسبب بعض أنواعه الألم الشديد وعدم القدرة على ممارسة نشاطات الحياة اليومية،[2][4] كما أنّ الصداع من الاضطرابات واسعة الانتشار إذ يعاني ما يقارب 95% من سكان كوكب الأرض من الصداع مرة واحدة على الأقل خلال حياتهم، وهو يصيب النساء بمعدل أعلى من الذكور.[3][5]
ذُكر الصداع في العديد من المصادر التاريخة القديمة، من أبرزها بردية ايبرس (Ebers Papyrus) التي تعود لتاريخ 1200 قبل الميلاد، كما عثر العلماء على جماجم مثقوبة بطريقة معينة من العصر الحجري -قبل 9000 سنة- تشير إلى المحاولات الأولى لعلاج الصداع، أمّا الآن، فيُعد الصداع أحد أشهر الاضطرابات التي تدفع المصابين به لطلب المساعدة الطبية، إذ تتكبد الدول عواقب اقتصادية واجتماعية بتكاليف عالية تصل لما يُقارب 14 مليار سنويًا، إذ يؤثر وجع الرأس مباشرةً في جودة حياة المصابين به، فمثلًا تتعطل قدرة 75% من المصابين بالشقيقة على ممارسة نشاطاتهم اليومية أثناء نوبة الصداع.[3][5]
أنواع الصداع
يُصنف الصداع إلى نوعين، إمّا أن يكون أوليًا (Primary headache)، وهو الذي يشمل الغالبية العظمى من مشكلات الصداع، أو قد يكون ثانويًا (Secondary headache) وهو النوع الأقل شيوعًا ولكنه يشمل أنواع الصداع الخطير التي يُعدّ تشخيصها وعلاجها سريعًا مهمًا لكونها قد تهدد حياة المصابين.[3]
الصداع الأولي
يقف وراء حدوث الصداع الأولي مجموعة من المسببات التي لا علاقة لها بأمراض أخرى في الجسم، وعادةً ما يكون الصداع الأولي مقاومًا للعلاج لصعوبة تحديد سببه بوضوح، بالإضافة إلى الألم الشديد الذي يسببه ولفترات مطولة،[6] ويشمل الصداع الأولي عدّة أنواع رئيسية:
صداع الشقيقة (Migraine)
قد تُصيب الشقيقة/الصداع النصفي جهة واحدة من الرأس أو كلتيهما، ويستمر لفترة تمتد بين 4 -72 ساعة، ويمكن الشعور بألمها على هيئة نبضات مستمرة وطويلة الأمد، كما يرافقها أعراض كالغثيان، والاستفراغ، وحساسية ضد الضوء، والصوت، والروائح.[3][7]
كما تجدر الإشارة إلى معاناة ثلث مرضى الشقيقة من ما يُعرَف بالهالة (Aura)، وهي عبارة عن مجموعة من الأعراض العصبية التحذيرية التي تستمر لفترة تمتد بين 5 دقائق إلى ساعة قبل نوبة الصداع النصفي، ومن أشهرها الهالة البصرية، إذ يرى المريض ما يشبه الخطوط المتعرجة أو البقع الوامضة (Scintillating scotoma).[3][4]
الصداع التوتري ((TTH) Tension-type headache)
تكون أعراض الصداع التوتري مستمرة أو متقطعة، كما تتميز يكونها طفيفة ولا تؤثر في قدرة المصاب على ممارسة أنشطة حياته اليومية، إذ يسبب وجع الرأس من الخلف ووجع الرأس من الأمام، ثم ينتشر ليشمل الرأس بأكمله ليشعر المريض حينها بألم أشبه بالضغط، وتجدر الإشارة إلى وجود نوع من الصداع التوتري المزمن يسببه الاستعمال المفرط للأدوية، إلّا أنه نادر الحدوث.[3][7]
الصداع النصفي اللاإرادي الثلاثي التوائم ((TACs)Trigeminal autonomic cephalgias)
يشمل عدة أنواع ولكنها تشترك في تسببها بألم العصب ثلاثي التوائم/العصب الخامس، بالإضافة إلى أعراض في جهة واحدة فقط من الوجه كالتدميع،[8] ومن أمثلته:
الصداع العنقودي/صداع العين (Cluster headache)
يتميز بتسببه بألم حاد وشديد في أحد جانبي الوجه ويتركّز حول محجر العين، إذ يستمر مدة 30 -180 دقيقة، ويرافقه تدميع العين، واحمرار الوجه، والإرهاق الشديد، بالإضافة إلى متلازمة هورنر (Horner’s syndrome) التي تشمل تدلي جزئي للجفون، وتضيق حدقة العين، وعدم تعرق الوجه.[7]
الصداع النصفي الانتيابي المزمن (Chronic paroxysmal hemicrania)
يشبه الصداع العنقودي بما يسببه من ألم مبرح في أحد جانبي الوجه، ويتميز بأنّ نوبة الألم قصيرة ولكن وتيرتها أشد من الصداع العنقودي.[8]
متلازمة سانكت (SUNCT syndrome)
هي اختصار لنوبات الصداع العصبية قصيرة الأمد التي تصيب أحد جانبي الوجه والتي يصاحبها التهاب وتوسع أوعية الدم في ملتحمة العين (Short-lasting, unilateral, neuralgiform headache attacks with conjunctival injection and tearing) إذ تشمل نوبات ألم شديدة تصيب أحد جانبي الوجه، وهي تشبه ألم الحرق، أو الوخز، أو الصعقة الكهربائية، وتستمر مدة 5 إلى 240 ثانية.[8]
الصداع الثانوي
يحدث الصداع الثانوي كعرض جانبي لبعض الأمراض والمشكلات الصحية،[6] منها ما يكون خطيرًا، والقليل منها يهدد الحياة، ويكون علاج الصداع في هذه الحالة مرتبطًا بعلاج المسبب الرئيسي،[9] وتشمل أسباب الصداع الثانوي:[5][10]
- العدوى، مثل تلك التي يسببها فيروس كورونا (COVID-19).
- إصابات الرقبة والرأس.
- أورام الدماغ.
- أمراض الأوعية الدموية القحفية أو العنقية.
- اضطرابات التوازن البدني/الاستتباب (Homeostatic disorders).
- الاستخدام المفرط للأدوية، كما قد يرافق الصداع المرحلة الانسحابية عند الإقلاع عنها.
- اضطرابات غير وعائية داخل الجمجمة.
- الاضطرابات التي قد تصيب أحد أجزاء الرقبة أو الوجه، مثل العيون، أو الأذنين، أو الأنف، أو الجيوب الأنفية، أو الأسنان، أو الفم.
- الاضطرابات النفسية.
- الارتفاع الشديد في ضغط الدم.
أسباب الصداع
يُسبب تنشيط مواقع الشعور بالألم في الدماغ، والجمجمة، والجيوب الأنفية، والأسنان الشعور بالصداع،[7] ومن الأسباب التي تقف وراء أشهر أنواع الصداع:
- صداع الشقيقة:
يُعتقد بأنّ الصداع النصفي يحدث نتيجة خليط من عوامل جينية، وبيئية، وعصبية، إذ أشارت بعض الأبحاث إلى ارتباطه باضطراب في نشاط الدماغ مما يؤثر في كيمياء الدماغ، وأعصابه، وأوعيته الدموية،[11] أيضًا أشارت إحدى النظريات إلى أنّ الصداع النصفي يظهر بسبب حدوث حالة من فرط نشاط الأعصاب في القشرة الدماغية يتبعه تغييرات في التروية الدموية الدماغية مصحوبة بتهيج الأعصاب.[12]
- الصداع التوتري:
توجد بعض الأدلة التي تُفيد بأنّ اضطرابات عضلات الوجه اللّفافِية ترتبط بالإصابة بهذا النوع من الصداع،[13] أو بسبب شد في عضلات الكتفين والرقبة، الفك، فروة الرأس، كما يرتبط بعوامل كالتوتر، والاكتئاب، والقلق، أو إصابة في الرأس.[4]
- الصداع العنقودي:
تشير دراسات التصوير العصبي التي أجراها الباحثون خلال نوبات الصداع العنقودي إلى تنشيط المادة الرمادية في جانب واحد من منطقة تحت المهاد، والتي تُنشّط بدورها العصب ثلاثي التوائم/العصب الخامس مما يؤدي إلى الشعور بالصداع العنقودي.[14]
علاج الصداع
يمكن علاج معظم حالات الصداع الأولي في عيادة طبيب الدماغ والأعصاب المختص، إذ يبحث الطبيب عن أي عوامل في التاريخ المرضي قد يكون لها دور في إصابة المريض بالصداع، مثل إهمال شرب السوائل، واستهلاك الكافيين بكثرة، وقلة النوم، بالإضافة إلى عوامل الخطر التي تؤجج الصداع بتكرار تعرُّض المصاب لها، كالتوتر، والقلق، والاكتئاب، وتجدر الإشارة إلى أنّ أدوية الصداع توصف بعد تحديد العوامل المؤدية للصداع.[15]
- علاج الصداع النصفي (الشقيقة)
يجتمع في علاج الصداع النصفي أدوية تُستخدم لإنهاء نوبة الصداع، مثل التريبتانات (Triptans) كدواء سوماتريبتان (Sumatriptan)، أو المسكنات المضادة للالتهاب غير الستيرويدية (Nonsteroidal anti-inflammatory drugs) (NSAIDs) كالايبوبروفين (Ibuprofen)، نابروكسين (Naproxen)، وديكلوفيناك (Diclofenac)، وباراسيتامول (Paracetamol)، بالإضافة إلى أدوية تُستخدم للوقاية من الإصابة بها مرة أخرى خصوصًا للمرضى الذين يعانون من الشقيقة المزمنة، مثل بروبرانولول (Propranolol)، وتوبيراميت (Topiramate)، وأميتريبتيلين (Amitriptyline)، وتجدر الإشارة إلى إمكانية استخدام حقن البوتوكس - ذيفان السجقية- (Onabotulinum toxin A) للتخلص من الصداع النصفي المزمن.[16]
- علاج الصداع التوتري
يُعالج الصداع التوتري باستخدام المسكنات المضادة للالتهاب غير الستيرويدية، كالايبوبروفين (Ibuprofen)، وكيتوبروفين (Ketoprofen)، وإندوميثاسين (Indomethacin)، أو الأسبرين، كما يمكن استخدام الباربتيورات (Barbiturates) بالتزامن مع الأسبرين والباراسيتامول للتخلص من الألم والمساعدة على النوم، أو استخدام المسكنات مع مضادات التقيؤ في الحالات التي يصاحب ألم الرأس الحاد التقيؤ، مثل بروميثازين (Promethazine).[17]
- علاج الصداع العنقودي
تشمل خيارات علاج الصداع العنقودي استخدام حقن سوماتريبتان تحت الجلد أو على هيئة بخاخ أنفي، بالإضافة إلى الأوكسجين النقي، أو بخاخ أو قطرات الليدوكايين (Lidocaine) الأنفية للتخلص من الألم الطفيف إلى المتوسط، أما العلاج الوقائي فيشمل أدوية مثل فيراباميل (Verapamil)، والليثيوم (Lithium)، وتوبيراميت.[8]
الوقاية من الصداع
يجب تثقيف المرضى حول العوامل التي يمكن السيطرة عليها والتي قد تؤدي للإصابة بالصداع ضمن خطة التعايش معه، فمثلًا، ذكرت بعض الدراسات أنّ استهلاك الكافيين بكثرة، وإهمال شرب ما يكفي من الماء، وتخطي بعض الوجبات خلال اليوم، بالإضافة إلى أنّ عدم ممارسة التمارين الرياضية، والتدخين تؤدي إلى تحفيز الإصابة بنوبة الصداع أو إطالتها، أما الصداع عند الأطفال فلوحظ أنّ للسمنة المرَضية دورٌ في الإصابة المتكررة بنوبات الصداع.[18]
تسهم المحفزات الحسية، أو الدورة الشهرية، أو تناول بعض الأدوية كموانع الحمل وموسعات الأوعية الدموية، أو حتى بعض الأطعمة كالأجبان في تحفيز نوبات الصداع النصفي -الشقيقة-، لذا من المهم تحديد محفزات الإصابة بالصداع بهدف تجنبها والوقاية من الإصابة بالصداع.[15]
التعايش مع الصداع
يُنصح بتدوين محفزات الصداع في كل مرة، خصوصًا موقع الألم ومدته، والطعام والشراب المستهلكَين خلال 24 ساعة الماضية قبل حدوث الصداع، ومدة النوم، كما توجد عدّة توجيهات بسيطة يمكن الالتزام بها في المنزل عند الشعور بالصداع، فمثلًا في حالات الشقيقة يُنصح بشرب الماء وأخذ قسط من الراحة في غرفة هادئة معتمة، مع وضع قطعة قماش باردة على الرأس، أمّا صداع التوتر فيمكن تخفيف الألم ببساطه من خلال تناول المسكنات، مثل باراسيتامول، أو الأسبرين، أو الايبوبروفين.[4]
أسئلة شائعة حول الصداع
- ما سبب الصداع المستمر مع ألم في العين؟
يسبب الصداع العنقودي ألم شديد ومستمر يتركز في أحد جانبي الوجه حول محجر العين.[19]
- ما هي أخطر أنواع الصداع؟
تُصنّف بعض أنواع الصداع الثانوي (الناجم عن مُسببات وأمراض أُخرى) على أنّها أخطر من الصداع الأولي، وقد يُعد القليل منها مهددًا للحياة في بعض الحالات.[9]
- ما سبب وجع الرأس من الأمام؟
يسبب الصداع التوتري الشعور بوجع الرأس من الأمام، والذي يكون أشبه بالضغط حول الرأس.[3][7]
- كيف أعرف نوع الصداع اللي عندي؟
يمكن للطبيب تحديد نوع الصداع الذي يعاني منه المريض عن طريق معرفة التاريخ المرضي للأعراض التي تظهر على المصاب، تشمل أسئلة حول حدوث الصداع في السابق، وموقع الألم، ووقت بدايته، وشدته وغيرها.[20]
- ما هي أسباب الصداع في الرأس؟
توجد عدة أسباب، من أشهرها صداع الشقيقة، أو صداع التوتر الذي يحدث نتيجة شد في عضلات الكتفين والرقبة، كما يرتبط بعوامل كالتوتر، والاكتئاب، والقلق، أو إصابة في الرأس،[4][21] أو قد يكون الصداع نتيجة لأمراض أو اضطرابات أخرى يُصاب بها الجسم كالعدوى، والجلطات، والنزيف، وغيرها، إذ يمكن للطبيب تحديدها بعد إجراء فحص عصبي شامل ودقيق، بالإضافة إلى جمع معلومات حول التاريخ المرضي، في حال التحقق من عدم إصابة المريض بأي مشكلة صحية.[15]
- متى يكون الصداع غير طبيعي؟
يجب مراجعة الطبيب عندما يعيق الصداع قدرة المريض على ممارسة حياته الطبيعية، أو عندما يظهر الصداع فجأة ويكون حادًا وشديدًا، خصوصًا إذا ازدادت حدته خلال أكثر من 24 ساعة، أو عندما يرافقه تأتأة، وتغييرات في الرؤية، ومواجهة صعوبة في تحريك الأطراف، وفقدان التوازن، أو عندما يتركز حول أحد العينين ويرافقه احمرارها.[4]
- كيف نفرق بين الصداع والورم؟
يمكن أن تترافق بعض أورام الدماغ مع الصداع، وذلك وفقًا لموقع تكونها في الدماغ إضافةً إلى سرعة نموها، إذ تزداد شدة الصداع في هذه الحالات في الصباح، وعند الضحك، أو السعال، ولكن وجود الصداع كعرض وحيد لا يحدث إلا في حالات نادرة من الورم الدماغي، إذ يرافقه أعراض أخرى كالتشنجات وغيرها من الأعراض العصبية.[10]
- كيف أعرف أن الصداع من الضغط؟
يُسبب ارتفاع ضغط الدم الصداع عندما يتجاوز الضغط الانقباضي 180 مع أو بدون ضغط انبساطي يتجاوز 120، وعادةً ما يكون ألم الصداع الناجم عن ارتفاع الضغط الشديد كالنبض وينتشر في الرأس بأكمله ويسوء عند أداء مجهود بدني.[10]
- متى يكون الصداع المستمر خطير؟
يكون الصداع خطيرًا ويستوجب استشارة الطبيب عندما يكون عرضًا لأمراض أخرى، مثل التهاب السحايا الذي يرافقه الصداع الشديد، والحمى، وتصلب الرقبة، أو سرطان الدماغ، أو النزيف داخل الدماغ، ومرض ارتفاع ضغط العين -الزرَق- (Glaucoma) الذي تظهر أعراضه على هيئة احمرار العيون ورؤية هالات حول الضوء.[21]