أمراض الغدة الدرقية والحمل: ما الأعراض المُصاحبة؟ وهل يمكن علاجها أثناء الحمل؟

تُعد اضطرابات الغدة الدرقية أحد أشهر اضطرابات الغدد الصماء التي تُصيب الحوامل، إذ يُصبن خلال الحمل إما بقصور الغدة الدرقية أو فرط نشاط الغدة الدرقية، وكل منهما له العديد من الأسباب، ولكن يجب علاج هذه الاضطرابات لِما قد تتسبّب به من نتائج سلبية تؤثر في الحمل، إلى جانب بعض المضاعفات الخطيرة على الجنين.

الهرمونات التي تفرزها الغدة الدرقية مهمة لكل من الأم والجنين، وعلى الرغم من اكتمال نمو الغدة الدرقية للجنين وعملها بحلول الأسبوع العاشر إلى الأسبوع الثاني عشر، فإنها لا تُفرز الهرمونات إلا بحلول الأسبوع الثامن عشر إلى الأسبوع التاسع عشر، إذ إنّ الجنين يعتمد على هرمونات الغدة الدرقية من الأم التي تمر عبر المشيمة في هذه الفترة،[1] وفي خلال أسابيع الحمل تمر الغدة الدرقية بالعديد من التغيرات الفسيولوجية، إذ تتضخم، وتزداد الأوعية الدموية، ويقل اليود المنتشر في الدم، ويزداد الجلوبيولين المرتبط بهرمونات الغدة الدرقية (Thyroid-binding globulin).[2]

تحدث هذه التغيرات نتيجة زيادة مستوى هرمون الإستروجين، الذي يؤدي إلى زيادة إنتاج الجلوبيولين المرتبط بهرمونات الغدة الدرقية وتقليل التخلص منه، والنتيجة في النهاية هي زيادة مستوى الجلوبيولين المرتبط بهرمونات الغدة الدرقية، كما يحدث زيادة ارتباط بين هذا الجلوبيولين وكل من الثيروكسين (T4)، وثلاثي يودوثيرونين (T3) في النصف الأول من الحمل بنسبة 50%، مما يعني زيادة إجمالي تركيز هذه الهرمونات بنسبة 50%، وفي ذات الوقت نقص مستويات كل من T3 و T4 الحرة في الدم.[3]

كما أن زيادة إفراز هرمون الحمل (Human chorionic gonadotrophin (HCG)) في الثلث الأول من الحمل، يؤدي إلى زيادة إفراز هرمونات الغدة الدرقية ونقص إفراز الهرمون المحفز للغدة الدرقية (Thyroid stimulating hormone (TSH)) الذي يُنتج بواسطة الغدة النخامية، إذ إنّ هرمون الحمل يشترك مع الهرمون المحفز للغدة الدرقية في وحدة ألفا، فيكون له تأثير مُحفز للغدة الدرقية.[2][3]

تُعد أمراض الغدة الدرقية أشهر اضطرابات الغدد الصماء -بجانب ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم- التي تُصيب النساء في فترة الحمل،[4] وقد يؤدي خلل الغدة الدرقية إلى نتائج سلبية تؤثر في الحمل والنمو العصبي للجنين.[1]

مستويات الهرمون المُحفز للغدة الدرقية طوال فترة الحمل

تحدث العديد من التغيرات الفسيولوجية طوال فترة الحمل، والتي تؤثر في مستويات الهرمون المحفز للغدة الدرقية (TSH)، ففي الثلث الأول من الحمل يقل إفراز الهرمون المحفز للغدة الدرقية بفعل زيادة هرمون الحمل، وفي الثلث الثاني والثالث من الحمل يبدأ مستوى الهرمون المحفز للغدة الدرقية في العودة إلى المستوى الطبيعي، وعلى الجانب الآخر يقل مستوى هرمون الحمل،[2] وبسبب التغيرات الهرمونية الكثيرة التي تحدث خلال أسابيع الحمل، فإن قياس مستوى الهرمون المحفز للغدة الدرقية يُعد المؤشر الأكثر حساسية لتشخيص وظيفة الغدة الدرقية.[5]

أمّا مستوى الهرمون المحفز للغدة الدرقية (TSH) في كل ثلث من الحمل لدى النساء الحوامل:[2]

  • الثلث الأول: 0.1-2.5 ميلي وحدة دولية/لتر.
  • الثلث الثاني: 0.2-3 ميلي وحدة دولية/لتر.
  • الثلث الثالث: 0.3-3 ميلي وحدة دولية/لتر.

قصور الغدة الدرقية والحمل

يُعرّف قصور الغدة غير الظاهر (Subclinical hypothyroidism) على أنّه زيادة مستوى الهرمون المحفز للغدة الدرقية للأم عن الطبيعي لكل ثلث من الحمل مع بقاء مستوى T4 الحر ضمن مستواه الطبيعي،[4] كما يُعرّف نقص هرمون الغدة الدرقية المعزول (Isolated hypothyroxinemia) على أنّه انخفاض مستوى T4 الحر مع بقاء مستوى الهرمون المحفز للغدة الدرقية ضمن مستواه الطبيعي.[5]

كما يوجد ما يُعرف بقصور الغدة الدرقية الظاهر (Overt hypothyroidism)، وهو نقص مستويات هرمونات الغدة الدرقية وارتفاع مستوى (TSH).[4]

طبقًا للإحصائيات فإن نسبة الحوامل اللواتي تُصبن بقصور الغدة الدرقية تصل إلى 4%، منهم 0.5% قصور الغدة الدرقية الظاهر، و3.5% قصور الغدة الدرقية غير الظاهر.[1]

قصور الغدة الدرقية غير الظاهر/نقص هرمون الغدة الدرقية المعزول

يعتمد الجنين على هرمونات الغدة الدرقية من الأم حتى الأسبوع 10-12 من الحمل، وذلك حتى تُنتج غدته الدرقية هرموناتها الخاصة، وقبل هذا فإن هرمونات الغدة الدرقية من الأم مهمة لدفع عمليات التمثيل الغذائي للطفل، ونمو المحاور العصبية، وإنتاج طبقة الميالين، وتمايز الخلايا داخل الدماغ والجهاز العصبي المركزي، لذلك فإنّ أي خلل في مستوى هذه الهرمونات سوف تؤدي إلى نتائج سلبية للحمل، وخلل في نمو الجهاز العصبي للجنين.[4]

أمّا عن التأثيرات على الحامل والجنين، فتُشير بعض الدراسات إلى وجود علاقة بين إصابة الأم بقصور الغدة الدرقية غير الظاهر والإصابة ببعض الاضطرابات الصحية:[1][4]

  • فقدان الحمل أو الإجهاض.
  • الولادة المبكرة.
  • انفصال المشيمة.
  • زيادة معدلات الإصابة بتسمم الحمل.
  • تأثيرات ضارة على النمو العصبي للأطفال.
  • متلازمة ضيق التنفس عند الرضع.

لكن تجدر الإشارة إلى وجود عدة دراسات أُخرى تنفي هذه العلاقة، وقد يكون السبب في تعارض الدراسات هو اختلاف توقيت قياس مستويات الهرمون المحفز للغدة الدرقية، واختلاف تقييم حالة الأجسام المُضادة التي تُسمى (TPO).[1]

قصور الغدة الدرقية الظاهر

أشهر أسباب الإصابة بقصور الغدة الدرقية الظاهر في الحمل هو التهاب الغدة الدرقية هاشيموتو (Hashimoto’s thyroiditis)،[5] إلى جانب عدة أسباب أُخرى:[5][4]

  • استئصال كلي أو جزئي للغدة الدرقية من قبل.
  • العلاج باليود المشع.
  • تعريض الرأس والرقبة للإشعاع.
  • خلل تكويني في الغدة الدرقية (Thyroid dysgenesis).
  • مشكلة في منطقة تحت المهاد والغدة النخامية.
  • نقص اليود.

يُذكَر بانّ إصابة الأنثى بقصور الغدة الدرقية الظاهر قبل الحمل يؤثر بشدة في الخصوبة، لذلك من النادر حدوث الحمل لدى هؤلاء النساء،[6] وعلى الرغم من ذلك فإن حوالي 11% من هؤلاء قد يحملن دون تناول العلاج، لكن قبل تكوُّن الغدة الدرقية للجنين فإن الغدة الدرقية للأم لن تكون قادرة على إنتاج كمية الهرمونات الكافية له.[4]

أمّا التأثيرات التي تحدث لدى الحامل أو الجنين جرّاء الإصابة بقصور الغدة الدرقية الظاهر، فتتلخص بظهور بعض الأعراض على الحامل كالكسل، والإمساك، وزيادة الوزن، بالإضافة إلى أنّ البعض قد لا يتحملن البرودة، ويُصبن بتشنج العضلات، ومتلازمة النفق الرسغي (Carpal tunnel syndrome)، وجفاف الشعر والجلد، وتغير الصوت.[6]

بالإضافة إلى ذلك فإن الإصابة بقصور الغدة الدرقية لدى الأُم قد يؤدي إلى مجموعة من المضاعفات:[1][6]

  • زيادة معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم وتسمم الحمل.
  • فقر الدم.
  • انفصال المشيمة.
  • نزيف ما بعد الولادة.
  • ضعف القلب.
  • الإجهاض.
  • سكري الحمل (Gestational diabetes mellitus).
  • الولادة القيصرية.

كما أنّ إصابة الأم بقصور الغدة الدرقية الظاهر قد يؤدي إلى مخاطر على الجنين:[4][6]

  • الولادة المبكرة.
  • وفاة الجنين.
  • تأخر نمو العظام.
  • تضخم الغدة الدرقية.
  • نقص وزن الطفل عند الولادة.
  • اضطراب طيف التوحد.
  • اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.
  • الوذمة الداخلية (Hydrops).
  • ضعف النمو العصبي.

تُشير بعض الدراسات إلى أنّ إصابة الأمهات بقصور الغدة الدرقية الظاهر وغير الظاهر يؤثر في معدل ذكاء الطفل، إذ وَجدت إحدى الدراسات أنّ معدل ذكاء الأطفال (أمهاتهم مُصابات بالمرض) في سن 7-9 سنوات كان أقل 4 درجات من الأطفال الآخرين، وأحرز 15% من الأطفال لأمهات مُصابات بقصور الغدة الدرقية الظاهر أقل من 85 درجة في اختبار معدل الذكاء، ومتوسط ذكائهم كان أقل 7 درجات من الأطفال لأمهات ضمن الحالة الطبيعية من نشاط الغدة الدرقية في [5]

علاج قصور الغدة الدرقية

يمكن علاج مشكلة قصور الغدة الدرقية أثناء الحمل في حال كانت الأم مُصابة بها قبل الحمل بتعديل جرعة دواء الثيروكسين بإشراف وتوصية مباشرة من الطبيب، أما إذا اكتُشفت الإصابة لأول مرة في الحمل فتتناول الأم دواء الثيروكسين الذي يصفه لها الطبيب تبعًا لمستوى الهرمون المُحفز للغدة الدرقية.[5]

فرط نشاط الغدة الدرقية

تُصاب 0.1-0.4% من الحوامل بفرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism)،[7] 85% من هذه الحالات بسبب مرض جريفز (Graves’ disease)،[2] إضافة إلى العديد من الأسباب الأُخرى:[4][8]

  • التسمم الدرقي العابر للحمل (Gestational-transient thyrotoxicosis).
  • فرط نشاط الغدة الدرقية في الحمل العائلي (Familial gestational hyperthyroidism).
  • مرض الأرومة الغاذية (Trophoblastic disease).
  • الورم الحميد في الغدة النخامية المنتج للهرمون المحفز للغدة الدرقية (producing pituitary adenoma -TSH).
  • تضخم الغدة الدرقية السام متعدد العقيدات (Multinodular toxic goiter).
  • ورم الغدة الدرقية السام المفرد (Solitary toxic thyroid adenoma).
  • طفرة مستقبلات هرمون TSH المنشطة للجينوم (Genomic-activating TSH-receptor mutation).
  • التهاب الغدة الدرقية تحت الحاد (عدوى فيروسية).
  • التهاب الغدة الدرقية غير المؤلم (الصامت/المناعي).
  • التهاب الغدة الدرقية الحاد (عدوى بكتيرية).
  • فرط العلاج بهرمون الغدة الدرقية.
  • فرط المشيمة (Hyperplacentosis).
  • ورم الغدة الدرقية الحميد السام (Toxic thyroid adenoma).
  • تناول هرمونات الغدة الدرقية غير المُتعمَد، من خلال الغذاء المُلوّث مثلًا.

أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية

قد تتشابه أعراض فرط نشاط الغدة الدرقية أثناء الحمل وأعراض حالة زيادة عمليات التمثيل الغذائي التي تحدث أثناء الحمل ليختلط الأمر على الحامل،[6] لكن الإصابة بفرط نشاط الغدة الدرقية يؤدي إلى ظهور عدة أعراض على الحامل:[6][7]

  • زيادة سرعة ضربات القلب.
  • ضيق التنفس.
  • زيادة التعرق.
  • عدم تحمل الحرارة.
  • الأرق.
  • حركة الأمعاء المتكررة.
  • العصبية.
  • زيادة الشهية.
  • الحكة.
  • القلق، والرعشة.
  • فقدان التركيز، وعدم الاستقرار العاطفي.
  • ضعف العضلات.
  • تضخم حجم الرقبة.

مخاطر ومضاعفات فرط نشاط الدرقية على الحامل والجنين

قد يؤدي عدم علاج فرط نشاط الغدة الدرقية -وخاصةً في النصف الثاني من الحمل- إلى العديد من المضاعفات الخطيرة،[6] فتشمل المخاطر والمضاعفات التي قد تعانيها الأم:[8][9]

  • تسمم الحمل.
  • الولادة المبكرة.
  • انفصال المشيمة.
  • قصور عضلة القلب.
  • تهيُج الغدة الدرقية، أو ما يُعرف بالعاصفة الدرقية (Thyroid storm).
  • التخثر الوريدي.
  • الإجهاض.

أما مخاطر فرط الدرقية على الجنين فتشمل:[8][9]

  • تقييد نمو الطفل داخل الرحم.
  • وفاة الجنين.
  • تشوهات تكوينية.
  • تضخم الغدة الدرقية.
  • نقص الوزن عند الولادة.
  • اضطراب الغدة الدرقية (قصور أو فرط نشاطها).
  • الولادة المبكرة.

علاج فرط نشاط الغدة الدرقية

في حال إصابة الأم بفرط نشاط الغدة الدرقية قبل الحمل، فلا بُد أن يُؤجل الحمل حتى تضبط الأم مستويات هرمونات الغدة الدرقية، وفي حال إصابة الأم لأول مرة بفرط نشاط الغدة الدرقية أثناء الحمل فيوجد العديد من الخيارات العلاجية المتاحة، كالأدوية المضادة للغدة الدرقية (Antithyroid drugs) التي يصفها الطبيب، كأدوية ثيو أمايد (Thioamide drugs)، أو البروبايل ثيويوراسيل (Propylthiouracil)، أو ميثيمازول (Methimazole)، أو كاربيمازول (Carbimazole).[6][7]

كتابة: دكتور محمد نصار - الخميس ، 08 شباط 2024
تدقيق طبي: فريق المحتوى الطبي - طـبـكـان|Tebcan

المراجع

1.
Lee, S. Y., & Pearce, E. N. (2022). Assessment and treatment of thyroid disorders in pregnancy and the postpartum period. Nature Reviews Endocrinology, 18(3), 158–171. Retrieved from https://www.nature.com/articles/s41574-021-00604-z#Sec29
2.
Smith A, Eccles-Smith J, D'Emden M, Lust K. (2017). Thyroid disorders in pregnancy and postpartum. Aust Prescr. 2017 Dec;40(6):214-219. Retrieved from https://doi.org/10.18773%2Faustprescr.2017.075
3.
Yap, Y. W., Onyekwelu, E., & Alam, U. (2023). Thyroid disease in pregnancy .Clinical Medicine (London, England), 23(2), 125–128. Retrieved from https://doi.org/10.7861/clinmed.2023-0018

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية

تكلم مع استشاري نسائية وتوليد أونلاين عبر طبكان
احجز