تواجه البلدان منخفضة الدخل عديد التحديات المتعلّقة بالصحّة والسلامة العامّة، كانتشار الإسهال في مجتمعاتها، وقد يُعزى ذلك إلى عدم توفّر مصادر آمنة للمياه في تلك البلدان، بالإضافة إلى تردّي خدمات الصرف الصحّي، وسوء الاهتمام بالنظافة العامّة، وفي الحقيقة، تتكرّر مشكلة الإسهال كثيرًا بين الأطفال والرضّع، إذ تُسجّل عالميًّا حوالي 1.7 مليار حالة إسهال في السنة بين الأطفال، كما تُقدّر أعداد الوفيات الناجمة عن الإسهال بين الأطفال دون سنّ الخامسة بحوالي 525 ألف على مستوى العالم، وتمثّل نسبة حالات الإسهال التي تحتاج لدخول المستشفيات من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم الخمس سنوات حوالي 9% من مُجمل حالات الدخول إلى المستشفى في الولايات المتّحدة، الأمر الذي يستدعي تكاتف جهود الجهات المعنيّة لنشر التوعية والتثقيف بين السكان فيما يتعلّق بأهميّة اتّباع الإجراءات الوقائيّة السليمة للحدّ من انتشار الإسهال بين الرضّع.[1][2]
ما هو الإسهال؟
الإسهال (Diarrhea)، هو إحدى المشكلات التي يعاني خلالها المصاب من تكرار تبرّزه لغائطٍ سائل أو ليّن القوام ثلاث مراتٍ أو أكثر خلال اليوم الواحد ولمدة 14 يوم أو أقل، أو تكرار التبرّز لعدد مرّات يتجاوز الحدّ الطبيعيّ المُعتاد، وقد يُعزى إلى اختلال عملية امتصاص الماء والأيونات والمواد الأُخرى في الأمعاء الدقيقة والأمعاء الغليظة.[3][4]
تختلف طبيعة الإسهال من حالةٍ لأُخرى بالاعتماد على نوع أعراضها ومدّة استمرارها، إذ يستمر الإسهال الحاد عادةً مدّة لا تتجاوز أسبوعين منذ بدء حدوثه، بينما تستمر نوبة الإسهال الواحدة في حالات الإسهال المزمن لأكثر من 2-4 أسابيع.[3][4]
الإسهال عند حديثي الولادة
يصعُب تمييز الإسهال عند حديثي الولادة بسبب طبيعة التغوّط وشكل البراز في هذه المرحلة العمريّة تحديدًا، إذ لُوحظ تكرار عدد مرّات تغوّط الرضيع خلال اليوم في الحالة الطبيعيّة دون وجود أيّ مشكلات يعانيها، وقد يصل الأمر أحيانًا إلى تكرار التغوّط بعد كل جلسة رضاعة، وغالبًا ما يبدو برازه مائيًّا وأكثر ليونة،[5] وقد لوحظ بأنّ براز الطفل الرضيع الذي لم يتجاوز 3 شهور من عمره ويعتمد في تغذيته على حليب الأم أكثر ليونةً واصفرارًا وتكرارًا، مقارنةً ببراز الرضيع الذي يعتمد في تغذيته على الحليب الصناعيّ، وذلك وفق الدراسة التي نُشرت في مجلة (Archives of Disease in Childhood. Fetal and Neonatal Edition) عام 2012 ميلادي، والتي ضمّت حوالي 600 طفل رضيع من هولندا لا يعانون من مشكلات صحيّة.[6]
عمومًا، يمكن ملاحظة الإسهال عند الرضع لدى الانتباه لتغيّر نمط التغوّط المُعتاد لدى الرضيع، كزيادة عدد مرّات التغوّط فجأة، أو ملاحظة اختلاف قوام البراز فيكون مائيًّا ولينًا لدرجةٍ ملحوظة.[5]
أسباب الإسهال عند الرضع
تتحسّن معظم حالات الإسهال عند الرضع خلال فترة قصيرة،[5] إذ لُوحظ بأنّ معظم حالات الإسهال لدى الأطفال لا تتجاوز الأسبوعين، ومع ذلك، قد يُصاب الطفل الرضيع أحيانًا بالإسهال المزمن لأسبابٍ تختلف من حالةٍ لأُخرى بالاعتماد على مُسبّبها وخطورة تأثيرها في الرضيع.[1]
أسباب الإسهال المزمن
يحدث إسهال الرضيع المزمن أو المستمر لأسبابٍ مختلفة:[4][7]
- متلازمة ما بعد التهاب الأمعاء (Post-enteritis syndrome) وهي حالة تلف الغشاء المخاطي في الأمعاء بسبب الالتهابات المتكررة، أو تزامن الإصابة بأنواعٍ عدة من مُسبّبات العدوى التي تُسفر عن التهاب المعدة والأمعاء لمدّة تتجاوز الأسبوعين، وقد تحدث متلازمة ما بعد التهاب الأمعاء أيضًا بسبب التحسس الغذائي أو حساسية الطعام أو "نقص إنزيم تكسير السكريات الثنائية الثانوي" (Secondary disaccharidase deficiencies).
- قصور البنكرياس نتيجة إصابة الطفل بالتليف الكيسي (Cystic fibrosis) أو إصابته بمتلازمة شواخمان دايموند (Shwachman Diamond syndrome)، إذ تكون هذه المشكلات مصحوبة بظهور أعراضٍ مختلفة، كالإسهال الدهني، وانتفاخ البطن، وتأخُّر النمو.
- أمراض الأمعاء الالتهابية (Inflammatory bowel disease or IBD)، مثل التهاب القولون التقرحي (Ulcerative colitis)، وداء كرون (Crohn's disease)، إذ يتسبّب الالتهاب الذي يحدث في الأمعاء أحيانًا في استمرار مشكلة الإسهال الشديد لدى الطفل المُصاب، وقد يكون البراز في هذه الحالة مصحوبًا بالدم، إلى جانب ظهور أعراضٍ أُخرى، كخسارة الوزن، والإحساس بألم البطن، إلى جانب احتماليّة ظهور التقرّحات في الفم وملاحظة الطفح الجلدي، وألم المفاصل، وفي الحقيقة، غالبًا ما تُعزى إصابة الأطفال الرُضّع بأمراض الأمعاء الالتهابية إلى جينات معيّنة تكون مسؤولة عن تطوّر المرض.
- أسباب أُخرى للإسهال المزمن، مثل الحساسية من بروتينات الحليب البقري أو حليب الصويا، والإصابة بمرض حساسية القمح (Coeliac Disease)، والإصابة بنقص المناعة، وفرط نشاط الغدة الدرقية (Hyperthyroidism)، وأمراض الأورام (Neoplastic diseases).
أسباب الإسهال الحاد
يحدث الإسهال الحادّ لأسبابٍ عِدّة:
- العدوى الفيروسيّة، كالإصابة بعدوى فيروس كوكساكي (Coxsackievirus)، أو فيروس إيكو (Echovirus)، أو الفيروسات الغدانيّة (Adenoviruses)، وكذلك الإصابة بعدوى فيروس ينتمي للفيروسات العجلية أو ما يُعرف بفيروس الروتا (Rotaviruses)،[5] وبالحديث عن الفيروسات العجليّة تحديدًا، تُعدّ هذه الفيروسات واحدةً من أهمّ الأسباب الرئيسيّة للإصابة بالإسهال بين الرضّع على مستوى العالم، والمسؤولة عن حوالي 500 ألف حالة وفاة سنويًّا، وتُسجّل معظم حالات الوفاة في بلدان الدول النامية، كما يمكن اعتبارها المُسبّب الرئيسيّ لحالات التهاب المعدة والأمعاء (Gastroenteritis) التي تستدعي دخول المستشفى وتلقّي الرعاية اللّازمة، ويُذكَر بأنّ الفيروسات العجليّة تنتقل من شخصٍ لآخر أحيانًا عند تناول طعام أو شراب ملوّث ببراز شخصٍ مُصاب بالعدوى.[8][9]
- استخدام الأم المُرضع أو رضيعها للمضادات حيويّة،[6] إذ يظهر إسهال الرُضع بعد إعطائهم المضادات الحيويّة بسبب اضطراب توازن البكتيريا النافعة في أمعائه،[5] وقد أُجريت دراسة نُشرت في مجلة (Journal of Infection and Public Health) عام 2020 ميلادي حول علاقة الديموغرافيا الاجتماعية والممارسات المتعلقة بالمضادات الحيوية بين الأمهات المرضعات في ولاية كادونا في نيجيريا، إذ ألقت الضوء على افتقار الأمهات المُرضعات للمعرفة والفهم الكافي حول الاستخدام السليم للمضادات الحيوية وإساءة استخدام هذه الأدوية خلال فترة الرضاعة، الأمر الذي قد يُسهم في تطوّر بكتيريا مقاومة للمضادات الحيويّة، تحديدًا بكتيريا الأمعاء لدى الأطفال.[9]
- العدوى البكتيرية، كالإصابة بأنواعٍ محدّدة من بكتيريا الإشريكية القولونية (E. coli)، والكليبسيلا (Klebsiella)، والليمونية (Citrobacter)، والشيغيلا (Shigella)، والبكتيريا المسؤولة عن الإصابة بداء السلمونيلات (Salmonellosis)،[10] وتجدر الإشارة إلى صعوبة التمييز بين التهاب المعدة والأمعاء الناجم عن عدوى بكتيريّة والتهاب المعدة والأمعاء الناجم عن عدوى فيروسيّة بالنظر إلى الأعراض فقط، ومع ذلك، قد يُصاحب الإصابة بالتهاب المعدة والأمعاء البكتيري ظهور أعراضٍ معيّنة على المُصاب تُميّز نوع العدوى لديه، كحدوث الإسهال مصحوبًا بالدم والمخاط، وارتفاع حرارة الجسم.[4]
- العدوى الطفيليّة، إذ يحدث التهاب المعدة والأمعاء (Gastroenteritis) أحيانًا بسبب الإصابة بعدوى طفيليّة،[11] مثل طفيليات الجياردية (Giardia)، وخفية الأبواغ (Cryptosporidium)، ومتماثلة البوائِغ (Cystoisospora)،[10] يُشَار إلى أنّ الإسهال الناجم عن عدوى الطفيليّات المعوية أو العدوى البكتيرية هو الأكثر شيوعًا في مناطق الدول النامية مقارنةً بالإسهال الناجم عن حدوث عدوى فيروسيّة، كذلك فإنّ الديدان المعوية المنتشرة في الدول النامية قد تكون سببًا في الإصابة بالإسهال، كالديدان المُسبّبة لداء البلهارسيات (Schistosomiasis) المعويّ، والديدان الطفيليّة المنقولة في التربة.[12]
- مشكلات صحيّة تتطلب إجراء عملية جراحيّة طارئة، كالتهاب الزائدة الدودية (Appendicitis)، والانغلاف المعوي (intussusception)، والالتهاب المعوي القولوني الناخر (Necrotising enterocolitis)، إذ يكون الإسهال الحادّ أحيانًا من الأعراض المصاحبة لهذه المشكلات التي تستدعي تلقّي الرعاية الصحيّة فورًا.[4]
- أسبابٌ أُخرى، مثل تغيير النظام الغذائي للرضيع، أو تغيّر النظام الغذائيّ للأم المُرضع.[5]
علاج الإسهال عند الرضع
يعتمد العلاج المناسب لحالات إسهال الرضيع على تحديد السبب الرئيسي وراءه، فقد يُوصي الطبيب بضرورة التوقف عن استخدام المضادّ الحيوي المسبّب للإسهال، أو الابتعاد عن تناول الأغذية والسوائل التي تحتوي على الجلوتين في حال كان الطفل يعاني من حساسيّة القمح، وفي بعض الحالات يتعافى التهاب المعدة والأمعاء الناجم عن عدوى فيروسيّة من تلقاء نفسه دون علاج، ويجب التركيز في حالات الإسهال المزمن على الالتزام بالعلاج الذي يحدّده الطبيب وضرورة تزويد الطفل بكامل احتياجاته من الفيتامينات والمعادن، وضمان حصوله على التغذية الملائمة.[11]
عمومًا، يرتكز علاج الإسهال عند الأطفال والرضّع على ضرورة تعويض السوائل التي فقدها الجسم خوفًا من الإصابة بالجفاف، مع ضرورة الأخذ بمجموعة من الاعتبارات:[1][11]
- تعويض السوائل في جسم الرضيع فمويًّا لمنع إصابته بالجفاف، مع إمكانيّة اعتماد المعالجة بالإمهاء الفموي (Oral rehydration therapy or ORS) الذي يحتوي على كمية موزونة من الكربوهيدرات المعقّدة والصوديوم، وفي حالاتٍ نادرة قد يستدعي الأمر تعويض السوائل باستخدام السوائل الوريديّة، كما في حالات الجفاف الشديد، وكثرة التقيؤ، وصعوبة تناول السوائل بواسطة الفم.
- الالتزام بالكمية المُوصى بها من محلول الإمهاء الفمويّ (ORS)، إذ يمكن إعطاء المحلول بكمية تعادل 50 مل/كيلوغرام خلال 4 ساعات لحالات الإسهال الخفيف، و100 مل/كيلوغرام خلال 4 ساعات لحالات الإسهال متوسّطة الشدّة، وتُضَاف أيضًا 10 مل/كيلوغرام في كلّ مرّة يحدث فيها التغوّط، ويمكن تكرار طريقة الاستخدام ذاتها في حال استمرت علامات الجفاف على الطفل بعد 4 ساعات من استخدام محلول الإمهاء الفمويّ.
- إعطاء السوائل الفمويّة تدريجيًّا للطفل الذي يعاني من التقيؤ إلى جانب الإسهال، يمكن البدء بإعطائه مقدار ملعقة صغيرة من المحلول كل 5 دقائق، والانتظار لملاحظة كيفيّة تأقلم الطفل مع الكمية التي تناولها، ويمكن زيادتها تدريجيًّا عند توقف الطفل عن استفراغ الكمية المعطاة.
- تقديم الحليب الطبيعي أو الحليب الصناعي للطفل الرضيع مرّةً أُخرى بعد التأكد من حصوله على كميّة كافية من السوائل وتوقفّه عن التقيؤ.
نصائح للوالدين للتعامل مع الإسهال عند الرضع
يمكن الاطلاع على مجموعة من النصائح التي قد تفيد الآباء أثناء رعاية أطفالهم المُصابين بالإسهال:[4]
- الاستمرار بالرضاعة الطبيعية للرضيع إلى جانب استخدام محلول الإمهاء الفمويّ (ORS) بين كلّ جلسة رضاعة وأُخرى.
- مواصلة إعطاء الرضيع الحليب الصناعي دون الحاجة لاستبداله بنوعٍ آخر يخلو من سكر اللاكتوز، أو تخفيف الحليب بالماء قبل إعطائه للرضيع.
- تجنّب تقديم الماء العاديّ للرضيع الذي لا يتجاوز 6 شهور من عمره، ولكن يمكن للرضيع الأكبر عمرًا تناول الماء العادي أو عصير التفاح المُخفّف إلى جانب محلول الإمهاء الفمويّ (ORS)، مع الابتعاد عن السوائل التي تحتوي على نسب مرتفعة من السكريات.
- الابتعاد عن استخدام أدوية مُضادة للإسهال، مثل لوبيراميد (Loperamide) للأطفال دون السنتين، وقد يُوصِي الطبيب باستعمال دواء راسيكادوتريل (Racecadotril) أو مكملات البروبيوتيك للسيطرة على الإسهال.
- تغيير الحفاض باستمرار لمنع تهيّج الجلد، والتأكد من تنظيف وتعقيم اليدين بعد تغييره.
- تنظيف مؤخرة الرضيع باستخدام الماء والصابون، والتربيت على المنطقة بعد الانتهاء بلطفٍ شديد لتجفيفها، أو تركها تجفّ في الهواء قبل وضع الحفاض مرّةً أُخرى.
- وضع كمية جيّدة من كريم حماية الجلد، كالذي يحتوي على أُكسيد الزنك، على منطقة الحفاض لدى الرضيع.
متى يجب مراجعة الطبيب؟
لا يستدعي حدوث الإسهال الخفيف لدى الرضيع زيارة الطبيب، ولكن يجب التواصل مع الطبيب أو زيارته مباشرة في الحالات التي تستمر لأكثر من يومين أو التي يكون فيها إسهال الرضيع مصحوبًا بظهور أعراضٍ أُخرى،[11] أهمّها:[5][11]
- أعراض الجفاف، مثل: قلّة عدد مرات التبول، وجفاف العينين -عدم نزول الدموع عند البكاء-، والهياج، وجفاف الفم، وقلّة النشاط والحركة، وجفاف الجلد، وظهور العيون الغائرة، و "النافوخ الغائر" (Sunken fontanelle) -ظهور البقعة اللينة أعلى رأس الرضيع غائرة-.
- الحمى الشديدة التي تستمر ليومين أو ثلاثة.
- نزول الدم مع البراز.
- نزيف تحت الجلد، ويظهر كنقاط أو بقع أُرجوانيّة مُحمرّة ودقيقة.
- ألم في البطن، أو شعور بالألم عند لمس البطن.
- حدوث 3-4 نوبات من الإسهال لدى الرضيع يوميًّا مع عدم قدرته على شرب كميات كافية من السوائل، أو امتناعه عن شرب السوائل كليًّا.