قلب الإنسان، هو ذلك العضو العضليّ الذي يقع خلف عظمة القص الموجودة في منتصف الصدر، والمُكوّن من حجرتين علويّتين يطلق عليهما الأُذينان (Atria)، وحجرتين سفليّتين يطلق عليهما البُطينان (Ventricles)، بالإضافة إلى صمّامات وأوعية دمويّة وتراكيب تشريحيّة عِدة تمكّنه من أداء وظيفته الأساسيّة المتمثّلة في تعزيز تدفّق الدم بينه وبين الأنسجة والأعضاء المختلفة، لضمان وصول الدم المُحمّل بالأكسجين إلى كافّة أنحاء الجسم،[1] وكباقي أعضاء الجسم، تؤثر العديد من الأمراض والاضطرابات في القلب والأوعية الدمويّة، والتي قد تهدّد حياة المصاب أحيانًا، ممّا يستدعي اعتماد تعليمات وإرشادات مدروسة وتطبيقها للحدّ من احتماليّة حدوث الوفاة بسبب هذه الأمراض.[2][3]
ما هو مرض القلب؟
يُعرَف مرض القلب أيضًا باسم مرض القلب والأوعية الدموية (Cardiovascular disease or CVD)، والذي يُعبّر عن الأمراض التي تصيب عضلة القلب والشرايين والأوردة في الجسم،[2] ويشكّل واحدًا من أهم الأسباب الرئيسيّة للوفاة في الدول النامية والمتقدمة حاليًّا، خاصةً مع تسارع ارتفاع حالات الإصابة بها في جميع أنحاء العالم، إذ تضاعفت أعداد حالات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدمويّة من 271 مليون حالة في عام 1990 ميلادي إلى 523 مليون حالة في عام 2019 ميلادي، كما وصل عدد حالات الوفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية في عام 2019 ميلادي إلى حوالي 18.6 مليون حالة عالميًا.[3][4]
عوامل تزيد من خطورة الإصابة بأمراض القلب
ثمّة العديد من العوامل التي قد تكون سببًا في زيادة احتماليّة الإصابة بأمراض القلب:[2][5]
- قلّة النشاط والحركة لساعاتٍ طويلة، خاصةً مع تطوّر التكنولوجيا والالتحاق بالوظائف التي لا تتطلب جهدًا لإنجازها، وعدم توفّر الوقت الكافي للانخراط في الأنشطة الترفيهيّة.
- تناول وجبات الطعام التي تحتوي على كميّة كبيرة من السعرات الحراريّة، أو الدهون المُشبعة، أو السكريّات.
- التدخين، والتعرّض للتدخين السلبيّ.
- التعرّض للتوتر الشديد والضغط النفسي.
- الإصابة بمشكلاتٍ صحيّة معيّنة، كارتفاع ضغط الدم، ومرض السكري، وتراكم الدهون في منطقة البطن، واضطراب شحميات الدم (Dyslipidemia)، وأمراض الكلى المزمنة.
- تناول المشروبات الكحولية بانتظام، أو تناولها بكمياتٍ كبيرة.
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدمويّة، كذلك وراثة جينات مرتبطة بارتفاع خطورة الإصابة بأنواع معيّنة من أمراض القلب.
- الجنس، إذ يكون تأثير بعض عوامل خطورة الإصابة بأمراض القلب مختلفًا لدى النّساء عنه لدى الرجال.
- العمر، إذ ترتفع خطورة الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدمويّة مع تقدّم العمر.
- العِرق، إذ تُعد بعض المجموعات العرقيّة أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدمويّة مقارنةً بغيرها.
- الإصابة بفيروس عوز المناعة البشري (HIV).
- تعرّض منطقة جدار الصدر للإشعاع في وقتٍ سابق.
- ارتفاع مؤشرات الالتهاب (Inflammatory Markers) في نتائج تحليل المختبر، أو وجود بيلة ألبومينيّة مجهرية (Microalbuminuria) -ارتفاع بسيط في مستوى بروتين الألبومين في البول-.
أخطر أنواع أمراض القلب
يترتّب على الإصابة بأمراض القلب أحيانًا ظهور مشكلاتٍ أُخرى تؤثر في حياة المصاب وقدرته على أداء الأنشطة اليوميّة المُعتادة، كأن يعاني من الإعاقة الجسديّة، أو يتحمّل تكاليف العلاج الباهظة، بل وربما يحتاج للإقامة في المستشفى من أجل المتابعة وتلقّي العلاج، ولا يتوقّف الأمر على ذلك، إذ تشكّل أمراض القلب في كثيرٍ من الحالات تهديدًا لحياة المصاب، والتي تُعدّ واحدةً من أبرز المخاوف المرتبطة بأمراض القلب الخطِرة،[2] من أنواع أمراض القلب الخطِرة:
- النوبة القلبية أو احتشاء عضلة القلب:
تحدث النوبة القلبية (Heart attack) بسبب ضعف أو توقّف تدفق الدم في إحدى أجزاء عضلة القلب لوجود مشكلاتٍ معيّنة، كالإصابة بمرض الشريان التاجي (Coronary artery disease)، وعلى الرغم من أنّ بعض حالات الإصابة بالنوبة القلبيّة لا تؤدي إلى ظهور أيّة أعراض أو مشكلات تدلّ على حدوثها، فإنّها قد تكون أحيانًا سببًا في حدوث الموت المفاجئ.[6]
- قصور القلب:
يُعرّف قصور القلب (Heart failure) بأنّه اضطراب يتسبّب في عدم قدرة القلب على أداء وظيفته بسبب ضعف العضلة المُكوّنة له أو تيبّسها، الأمر الذي قد ينجم عنه ظهور عددٍ من الأعراض المفاجئة أو تِلك التي تتطوّر تدريجيًّا مع الوقت، كضيق التنفس، وتجمّع السوائل في الرئتين، والشعور بالإعياء، وصعوبة ممارسة التمارين أو أيّة أنشطة تستدعي بذل الجهد، وفي الحقيقة تختلف شِدة الإصابة بقصور القلب من شخصٍ لآخر اعتمادًا على تأثيره السلبيّ في حياة المُصاب وقدرته على أداء الأنشطة اليوميّة، ويُشار إلى أنّ بعض حالات قصور القلب تكون مسؤولة عن حدوث الموت المفاجئ، دون ملاحظة تفاقم الأعراض أولًا.[7]
- اضطراب نبضات القلب:
يظهر اضطراب نبضات القلب أو اضطراب النّظم القلبي (Arrhythmia) كتسارعٍ شديد في ضربات القلب -أكثر من 100 نبضة في الدقيقة-، أو تباطؤ شديد في ضرباته -أقل من 60 نبضة في الدقيقة-،[8] ويُعدّ الرجفان الأذيني (Atrial fibrillation) واحدًا من أكثر أشكال اضطرابات نبض القلب شيوعًا، وهو الاضطراب الذي يُعبّر عن عدم تناسق النشاط الأُذيني في القلب ووجود خللٍ في انقباض الأُذينات، والذي قد يتسبّب في ظهور أعراضٍ مختلفة على المصاب، كخفقان القلب، وضيق التنفس، وعدم انتظام نبضات القلب، وألم الصدر، والإعياء الشديد، بالإضافة إلى ارتفاع خطورة الإصابة بقصور القلب، والجلطة الدماغيّة، والخرف، وحدوث الوفاة.[9]
- اضطراب صمامات القلب:
قد تتعرّض إحدى صمّامات القلب لخللٍ معيّن يؤثّر في أدائها لوظيفتها، كارتجاع الصّمام (Regurgitation) ممّا يسمح بتسريب الدم ورجوعه عن مساره الطبيعي، أو زيادة سمك الصمّام أو تيبّسه (Stenosis) ممّا يعيق تدفّق الدم ويمنع مروره بسلاسة عبر الصمّام، أو حدوث كلا المشكلتين معًا، وقد يظهر الخلل في الصمام كعيبٍ خلقي يعيق مرور الدم خلاله ويدعى بالرّتق (Atresia)، وفي جميع الحالات، يؤثر حدوث اضطراب في صمامات القلب في وظيفة القلب وقدرته على ضخ الدم.[10][11]
وعلى الرغم من أنّ معظم حالات اختلال الصمامات في القلب بسيطة ولا ينعكس أثرها على المصاب، فقد تتطوّر تدريجيًّا مع الوقت مُسبّبةً مشكلاتٍ وأعراض مختلفة، كانتفاخ القدمين، أو الكاحلين أو البطن أو الوريد في العنق، وضيق التنفّس، والإعياء، والإغماء أو الدوار، وألم الصدر عند بذل الجهد، وخفقان القلب أو عدم انتظام ضربات القلب، وقد تتفاقم المشكلة أكثر في حالة عدم تلقّي العلاج الملائم، وتظهر مضاعفات خطِرة لاضطراب صمّامات القلب، كالجلطة الدماغيّة، وتكوّن الخثرات في الدم، وقصور القلب، وتوقّف القلب المفاجئ أو الموت.[10][11]
- روماتيزم القلب:
يُعدّ روماتيزم القلب (Rheumatic heart disease) واحدًا من أمراض القلب الخطيرة التي قد تصيب الأطفال والبالغين، والتي تظهر بعد إصابة الحلق بعدوى "المكورة العقدية بيتا الحالّة للدم" (Beta-hemolytic streptococcal infection) كواحدةٍ من مضاعفات حمى الروماتيزم، وتجدر الإشارة إلى أنّ حوالي أكثر من 15 مليون شخص يعاني من مرض روماتيزم القلب عالميًّا، وتنتشر حالات الإصابة به في بلدان الدول النامية بمعدلٍ أعلى من غيرها، بالإضافة إلى أنّه يعدّ من المشكلات المسؤولة عن حوالي 250 ألف وفاة سنويًّا بين اليافعين من جميع أنحاء العالم.[12]
أمراض القلب النفسية
يُقصد بأمراض القلب النفسيّة تلك الأمراض التي تصيب القلب بتأثير عوامل نفسيّة وعاطفيّة يعانيها الشخص، إذ تلعب العوامل النفسية دورًا مهمًّا في ظهور وتطوّر واستمرار بعض أمراض القلب، كمرض القلب التاجي (CHD) مثلًا، وتُعدّ اضطرابات الاكتئاب والقلق والتوتر من أهم الاضطرابات النفسية التي لُوحظ ارتباطها أحيانًا بارتفاع خطورة الإصابة بأمراض القلب المزمنة،[13] وقد يعود ذلك إلى ارتباط الأمراض والاضطرابات النفسية بوجود أعراضٍ أو سلوكيات أو تغيرات عاطفيّة أو عوامل معيّنة تزيد من خطورة الإصابة بأمراض القلب:[13][14]
- الأعراض التي يعانيها مرضى القلق، مثل خفقان القلب دون بذل جهدٍ جسديّ، وعدم انتظام ضربات القلب، ونقص تدفق الدم في عضلة القلب، والغضب الشديد، وشدّ العضلات في الجسم، إذ قد ينجم عنها ارتفاع خطورة الإصابة بأمراض القلب التاجيّة، بالأخص بين النساء.
- ارتفاع مستويات الكورتيزول لدى مرضى القلق والاكتئاب والفُصام يُسهم في الإصابة بتصلب الشرايين.
- عدم الالتزام بتناول أدوية القلب في مواعيدها، أو غيرها من الأدوية التي يجب المواظبة على استخدامها، وذلك لارتباط الاضطرابات النفسيّة بسلوكيات غير صحيّة.
- استخدام أنواع معيّنة من الأدوية التي تنتمي لمضادات الاكتئاب أو مضادات الذهان المرتبطة بأمراض السمنة.
- قلّة النشاط والحركة، والتدخين أو تناول المشروبات الكحوليّة بكميات كبيرة، وتناول وجبات طعام غنية بالدهون قد ترتبط بحالات الاكتئاب، وتتسبّب في ارتفاع خطورة الإصابة بأمراض القلب.
- زيادة نشاط الصفائح الدمويّة، والتي أثبتت الدراسات ارتباطها بمرض الاكتئاب، وقد تسهم في حدوث تصلب الشرايين.
- ارتفاع مستوى عوامل الالتهاب في الجسم لدى مرضى الفصام واضطراب ثنائي القطب والاكتئاب، إذ يُسهم الالتهاب في ارتفاع خطورة الإصابة بتصلب الشرايين وتطوّر أمراض القلب.
- وجود جينات معينة لدى المصابين بالأمراض النفسيّة قد تزيد من خطورة الإصابة بأمراض القلب.
- الإصابة ببعض الأمراض المصاحبة للاضطرابات النفسيّة والتي قد تزيد من خطورة الإصابة بمرض القلب التاجي (CHD)، كمقاومة الإنسولين، وارتفاع ضغط الدم، والسمنة، واختلال مستوى الدهنيات في الدم.
الكشف المبكر عن أمراض القلب
يصعُب الكشف المبكر عن أمراض القلب التي تتطوّر تدريجيًّا مع الوقت، وقد يُعزى ذلك إلى احتماليّة ظهور أعراضٍ غير محدّدة في المراحل الأُولى لمرض القلب، أي لا يمكن ربطها مباشرةً بها، وقد يترتّب على ذلك عدم استشارة الطبيب بشأنها لاتخاذ الإجراءات المناسبة، ويظهر ذلك جليًّا عند الإصابة بأمراضٍ معينة تتشابه بعض أعراضها مع أعراض الإصابة بأمراض القلب، مثل مرض السكري، ومرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD).[15]
عمومًا، يجب الاهتمام بإجراء الفحوصات اللّازمة للأفراد الذين تظهر لديهم عوامل تزيد من خطورة إصابتهم بأمراض القلب بهدف الوقاية منها،[2] إذ يساعد التشخيص المبكر لأمراض القلب على وضع خطّة علاجيّة ملائمة للالتزام بها بدءًا من المراحل الأُولى من تطوّر المرض، ويفيد ذلك على وجه الخصوص في حالات الإصابة بمشكلات القلب التي تتفاقم تدريجيًّا مع الوقت، كالرجفان الأذيني، وقصور القلب.[15]
قد يتبع الطبيب مجموعة من الخطوات للكشف عن أمراض القلب:[5][6]
- معرفة التاريخ الطبي للمريض، والاطلاع على الأعراض التي يعانيها.
- الاطلاع على التاريخ العائلي الصحي.
- إجراء الفحوصات السريريّة.
- إجراء اختبارات القلب مثل تخطيط كهربية القلب (Electrocardiography or ECG).
- طلب إجراء أنواع معيّنة من تحاليل الدم، كالمؤشرات الحيوية التي تُقاس لتقييم وظائف القلب.
- التوصية بمراجعة طبيب القلب أحيانًا بهدف إجراء الفحوصات التشخيصية وتلقّي الرعاية الطبيّة الملائمة.