يُصنّف مرض الملاريا على أنّه أحد أخطر المشكلات الصحية العامّة على مستوى العالم، بالأخص في دول العالم الثالث (الدول النامية)، إذ يُشير تقرير الملاريا في العالم (World Malaria Report) الذي صدر عام 2021 إلى وجود حوالي 241 مليون حالة مصابة بالملاريا على مستوى العالم في عام 2020 ميلادي، ويقارب عدد الوفيات الناجمة عنه والتي سُجِّلت في العام ذاته حوالي 627 ألف حالة، معظمهم من الأطفال صغار السنّ دون الثامنة، ممّن يعيشون في أجزاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وقد ذُكر في التقرير أيضًا أنّ ما يقارب نصف عدد سكان العالم يقطنون المناطق المُعرَّضة لخطر انتقال الملاريا، والتي تمثّل 87 دولة وإقليم.[1][2]
ما هي الملاريا؟
تُعرف الملاريا (Malaria) بأنّها واحدة من الأمراض المُعدية الخطِرة الناجمة عن الإصابة بنوع من الطفيليات التي تنتقل إلى مجرى الدم غالبًا بعد تلقّي عضة من بعوضة الأنوفيليس (Anopheles mosquito) المُصابة بهذه الطفيليات، ويجدر التنويه إلى أنّ عدم تشخيص المرض وتلقّي العلاج مبكّرًا قد يكون سببًا في حدوث مضاعفات صحيّة شديدة، والتي من الممكن أن تُودي بحياة المُصاب.[3][4]
مُسبب مرض الملاريا
يُعدّ طفيلي البلازموديوم أو المُتصوّرَة (Plasmodium) مسبب مرض الملاريا، والذي ينتقل إلى البشر غالبًا بواسطة بعوضة الأنوفيليس، إذ ينتقل الطفيلي بعد وصوله مجرى الدم إلى الكبد ويستقرّ فيه لعِدة أيام إلى حين نضجه، ويعود بعدها مرّةً أُخرى إلى مجرى الدم ليُصيب مجموعة من خلايا الدم الحمراء بالعدوى ويتكاثر فيها، ممّا يتسبّب بانفجار الخلايا المُصابة، وانتقال العدوى لتصيب خلايا دم حمراء أُخرى،[4] ويُشار إلى وجود أنواع معيّنة تصيب البشر من الطفيلي المُسبب لمرض الملاريا،[5] أهمها:[5][6]
- المتصورة النشيطة (P. vivax).
- المتصورة الملارية (P. malariae).
- المتصورة البيضوية (P. ovale).
- المتصورة المنجلية (Plasmodium falciparum)، الذي غالبًا ما يكون مسؤولًا عن حدوث عدوى شديدة تستدعي العلاج فورًا.
- المتصورة النولسية (Plasmodium knowlesi)، فهو الطفيليّ الذي يصيب عادةً قِرَدة المكاك (Macaques) القاطنة في منطقة جنوب آسيا، ولكنّها قد تصيب البشر أيضًا مُسبِّبةً عدوى شديدة، لهذا السّبب أُضيفت كنوعٍ خامس إلى مجموعة طفيليات المُتصوّرة الأربعة التي تُسبّب الملاريا للبشر، كما أنّها مسؤولة عن نوع الملاريا الذي ينتقل من الحيوان إلى الإنسان،
تنتقل الأنواع الأربعة الأُولى للمتصورة (النشيطة، والملارية، والبضوية، والمنجلية) عبر البعوض من شخصٍ مُصاب، إلى شخصٍ آخر، ولا تصيب الحيوانات.[7]
تنتقل الملاريا في حالاتٍ نادرة من الأم الحامل إلى جنينها خلال فترة الحمل أو أثناء الولادة، كما يُحتمَل بنسبة ضئيلة بأن يكون مُسبب مرض الملاريا هو انتقال طفيلي البلازموديوم إلى الدم أثناء نقل الدم للمريض، أو عند إجراء نقل للأعضاء، أو باستخدام إبر الحُقن المُلوّثة بالعدوى.[3]
أعراض الملاريا
يختلف وقت ظهور أعراض الملاريا بعد انتقال العدوى للجسم من حالةٍ لأُخرى، إذ يتأخر ظهور الأعراض أحيانًا لفترة قد تصل إلى شهورٍ عِدة أو أكثر إذا بقيت طفيليات الملاريا كامنة في الجسم لفترةٍ طويلة، وعمومًا، غالبًا ما تتطوّر أعراض الملاريا خلال بضعة أسابيع (من 10 أيام حتى 4 أسابيع) بعد الإصابة بالعدوى،[4][8] كما تعتمد شِدة الأعراض المُصاحبة لعدوى الملاريا على نوع الطفيلي الذي سبّب العدوى،[3] ومن أبرزها:[8][9]
- القشعريرة أو كما تُعرف بالارتعاش (Chills).
- الحمى والتعرق.
- التقيؤ والغثيان.
- الشعور بالانزعاج العام وعدم الراحة.
- الصداع.
- الإعياء.
- زيادة سرعة ضربات القلب.
- السعال.
- الإسهال.
- زيادة سرعة التنفس أو مشكلات في التنفس.
- آلام المفاصل أو العضلات.
- ألم البطن.
- اصفرار البشرة أو بياض العينين.
- التهاب الحلق.
- فقدان الشهية للطعام.
تظهر أعراض الملاريا بنوباتٍ دوريّة تستمر من 2-3 أيام في المرّة الواحدة، بسبب استمرار إصابة خلايا الدم الحمراء بالعدوى الطفيليّة،[4] وتبدأ الأعراض عادةً خلال الدورة الواحدة على شكل قشعريرة وارتعاش، تليها أعراض الحمى، ثم التعرق، وبعد ذلك تستقر حرارة الجسم وتعود لطبيعتها.[8]
ما هي المناطق الأكثر عُرضة لانتشار الملاريا؟
تنتشر الملاريا بمعدل أعلى في الدول النامية، الاستوائية وشبه الاستوائية في العالم، أي في البيئة التي ترتفع فيها درجات الحرارة والرطوبة،[1][3] مثل وسط وجنوب أمريكا، ومساحاتٍ واسعة من إفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وجنوب آسيا، وشرق أوروبا، وبعض جزر المحيط الهادئ، بالإضافة إلى هايتي وجمهورية الدومينيكان، وأجزاء من الشرق الأوسط.[3][9]
الفئات الأكثر عُرضة للإصابة بأعراض الملاريا الشديدة؟
قد تُصيب الملاريا أيّ شخص،[3] ومع ذلك، يكون بعض الأشخاص أكثر عُرضة للإصابة بعدوى الملاريا الشديدة مقارنةً بغيرهم ممّن يقطنون ذات المناطق التي تنتشر فيها العدوى:[1][9]
- المسافرين أو المهاجرين القادمين من مناطق لا تنتشر فيها الملاريا، ممّن ينخفض مستوى المناعة لديهم.
- النساء الحوامل، بالأخص خلال الحمل الأول والثاني، إذ تنخفض مناعة الجسم ومقدرته على مقاومة الأمراض خلال فترة الحمل.
- الأطفال الصغار، الذين لم تتطوّر لديهم أيّة مناعة ضدّ الملاريا.
- كبار السنّ الذين تتجاوز أعمارهم 65 سنة.
- الأشخاص الذين يعانون ضعف الجهاز المناعي في أجسامهم، أو تفتقد أجسامهم لوجود الطحال.
مضاعفات الملاريا
يعاني البعض من مضاعفاتٍ خطرة بعد إصابتهم بالملاريا، من أبرز مضاعفات الملاريا:[10]
- فقر الدم (الأنيميا).
- فشل الكلى وأعضاء أُخرى، كالكبد والطحال.
- انخفاض شديد في مستوى سكر الدم.
- تجمّع السوائل في الرئتين، المعروف باسم وذمة الرئة (Pulmonary edema).
- الملاريا الدماغيّة (Cerebral malaria)، والتي يصاحبها تلف في الدماغ بسبب التورّم.
هل مرض الملاريا مُعدي؟
لا تُعدّ الملاريا من الأمراض المُعدية، فمن غير الممكن انتقال المرض من المُصاب إلى الآخرين بمجرّد الجلوس إلى جانبه، أو التلامس معه عَرَضيًّا، كما ويصعب انتقال الملاريا من المُصاب إلى الآخرين عن طريق العلاقة الجنسيّة.[5]
تشخيص الملاريا
يتّبع الطبيب خطواتٍ عِدة تُمكّنه من تشخيص الإصابة بالملاريا، وتحديد نوع الطفيلي المُسبّب للعدوى، وما إذا كان الطفيلي مقاومًا لأنواعٍ معيّنة من الأدوية المُضادة للملاريا، كما ويتمكّن الطبيب خلال الفحص من الكشف عن مضاعفات الإصابة بالملاريا حال تفاقمها لدى المريض،[4] لذلك، غالبًا ما يهتم الطبيب خلال موعد التشخيص بإجراء مجموعة من الفحوصات:[3][4]
- معرفة التاريخ الطبي للمريض، والأعراض التي تظهر عليه.
- التعرّف إلى أنشطة المريض الأخيرة وتنقّلاته، وإذا ما سافر مؤخرًا إلى إحدى البلدان الإستوائيّة.
- إجراء فحص سريري للمريض.
- التحقق من انتفاخ الطحال أو الكبد خلال الفحص السريري.
- طلب إجراء فحوصات دم معيّنة لتأكيد التشخيص، إذ تُرسل عينة من دم المريض إلى المختبر للكشف عن وجود الطفيلي وتحديد نوعه.
علاج الملاريا
يساعد التشخيص والعلاج المبكّر للملاريا على تقليل فرصة انتقال العدوى والسيطرة على المرض، ومنع حدوث المضاعفات الخطِرة التي قد تُودي بحياة المصاب، وتُعدّ العلاجات المُركبة التي يعتمد تصنيعها على مادة أرتيميسينين (ACT) الدواء الأفضل المُتوفّر حتى الآن لعلاج الملاريا الناتجة عن طفيلي المتصورة المنجلية (P. falciparum)، التي تكون أعراضها خطِرة وقد تهدّد حياة المصاب، والذي عادةً ما يكون مُقاومًا لأدوية علاج الملاريا الأُخرى، وهي عبارة عن دوائين (أرتيميثر (Artemether) وأرتيسونات (Artesunate)) يتناولهما المريض معًا، إذ يُستخدم هذا العلاج بهدف إزالة طفيليات البلازموديوم (المتصورة) من الجسم بأسرع وقتٍ ممكن، وهو ما يمنع تطوّر العدوى وحدوث مضاعفاتها الخطِرة.[2][3]
يحدّد طبيب الأسرة أو اختصاصي الأمراض المعدية العلاج المناسب لحالات الملاريا بمعرفته نوع الطفيلي المُسبّب للعدوى، وعمر المصاب، وشِدّة أعراض العدوى لديه، وغيرها من العوامل الأُخرى التي قد تؤثر في اختيار العلاج المناسب،[10] وإلى جانب العلاج التوليفي للأرتيميسينين (ACT)، ثمّة خيارات علاجيّة أُخرى تُوصَف في حالات الملاريا:[3][10]
- كلوروكين (Chloroquine) أو هيدروكسي كلوروكوين (Hydroxychloroquine)، يُعطَى في حالات الملاريا التي تكون أعراضها خفيفة، ولم تُطوّر مقاومة لدواء كلوروكين.
- ميفلوكوين (Mefloquine)، الذي قد يُعطَى في الحالات التي لا يمكن استخدام الكلوروكين لعلاجها، ويكون خيارًا أخيرًا بالنسبة إلى الأطباء لارتباطه بآثار جانبيّة شديدة تؤثر في الدماغ، على الرغم من ندرتها.
- أتوفاكون/بروغوانيل (Atovaquone-proguanil)، التي قد تكون مناسبة للحالات التي يُطوّر فيها الطفيلي مقاومة ضدّ دواء كلوروكين.
- أدوية أُخرى، مثل: دوكسيسايكلين (Doxycycline)، وبريماكين (Primaquine).
طورت بعض أنواع طفيليات الملاريا مقاومة ضدّ كافّة أنواع مضادات الملاريا تقريبًا،[10] وأصبحت هذه المشكلة مصدرًا للقلق بالنسبة إلى منظمة الصحة العالمية (WHO)، لذلك قدّمت توصيات بضرورة رصد فعاليّة أدوية الملاريا بانتظام لتوجيه سياسات العلاج في البلدان الموبوءة بالعدوى، وضمان الكشف المبكّر عن مقاومة الأدوية والتعامل الصحيح مع المشكلة.[2]
كيف يمكن الوقاية من الملاريا؟
يتعيّن على الشخص الذي ينوي السفر إلى بلدانٍ تنتشر فيها الملاريا اتخاذ إجراءات السلامة اللازمة التي تقيه قدر الإمكان من العدوى، لذلك عليه استشارة الطبيب أو أيٍّ من مسؤولي الرعاية الصحيّة قبل موعد السفر لمعرفة أهمّ النصائح والأمور التي يجب أخذها بعين الاعتبار:[8][9]
- الحرص على تناول مضادات الملاريا -في حال وصفها الطبيب- بهدف تقليل مخاطر الإصابة بالعدوى، والالتزام بالتعليمات حول طريقة ومدّة استخدام الأدوية، إذ يُوصَى في كثيرٍ من الأحيان بأخذ مضادات الملاريا قبل موعد السفر ببضعة أيام أو أسابيع، والاستمرار بتناولها طوال فترة السفر وحتى العودة مرّةً أُخرى ببضعة أسابيع.
- توفير نوع من الشِّباك التي تقي من البعوض وتكون مُزوّدة بمبيدٍ للحشرات، إذ يمكن الاستلقاء أسفلها عند النوم لتجنب التعرّض لقرصات البعوض.
- الحرص على ارتداء ملابس تغطي معظم أجزاء الجسم، كالبنطال، والقمصان ذات الأكمام الطويلة، ويُنصَح أيضًا بتثبيت أطراف البنطال داخل الجوارب، وإدخال القميص في داخل البنطال.
- استخدام طارد للحشرات -على أن يكون مُسجلًا لدى وكالة حماية البيئة- يُوضع على الأجزاء المكشوفة من الجسم، والتأكد من احتوائه على نسبة 50% من مادة ديت (DEET)، المعروفة أيضًا باسم ثنائي أثيل تولواميد (Diethyltoluamide)، أو مواد معيّنة يُسمَح باستخدامها على البشرة، مع ضرورة تجنب رش طارد الحشرات على الوجه مباشرة.
- وضع طارد للحشرات على الملابس، يمكن استخدام نوع يُوضع بأمان على الملابس، كالذي يحتوي على مادّة بيرمثرين.
لقاح الملاريا
أوصت منظمة الصحة العالمية بإعطاء لقاح الملاريا للأطفال الذين يقطنون البلدان التي تنتشر فيها حالات الملاريا، وقد وُجد أنّ لقاح (RTS,S/AS01) يعمل بفعاليّة للوقاية من طفيلي الملاريا المعروف بالمتصورة المنجلية، والذي يُسفر عن مضاعفات شديدة وخطِرة لدى الأطفال، مازالت الأبحاث مستمرّة لدراسة وتطوير لقاح الملاريا ليساعد على منع الإصابة بالعدوى.[2][8]