يُحافظ الجسم على مستوى السكر (أو الغلوكوز) في الدم وفقًا لآلياتٍ مُعقدة تسعى للحفاظ على التوازن بين إنتاجه واستهلاكه، كما يُعد الغلوكوز الغذاء الأساسي للدماغ، ولأنّ الدماغ لا يستطيع تخزين الجلوكوز أو إنتاجه، فهو بحاجةٍ إلى إمدادٍ مستمر من الجلوكوز عبر الدورة الدموية، لذا فإنّ الحفاظ على مستوى السكر في الدم ضمن الحدود الطبيعية أمرٌ بالغ الأهمية للحفاظ على وظيفة الدماغ، وبالتالي الجسم ككل.[1]
ما هو انخفاض السكر في الدم؟
يُعرّف انخفاض السكر في الدم على أنه انخفاض تركيز الغلوكوز في الدم إلى أقل من 70 مليغرام/ديسيلتر، ولكن غالبًا ما تظهر أعراضه عندما ينخفض مستوى تركيز الغلوكوز عن 55 مليغرام/ديسيلتر.[2]
يُعد انخفاض السكر في الدم غير شائعٍ لدى الأشخاص غير المصابين بمرض السكريّ،[3] وعادةً ما يُعاني منه مرضى السكري نتيجةً للعلاجات الدوائية التي يتّبعونها، وبالأخص مرضى النوع الأول من السكري، فاحتمال انخفاض السكر لديهم يبلغ ثلاثة أضعاف مرضى السكري من النوع الثاني عند تلقّيهم العلاج.[2]
انخفاض سكر الدم عند حديثي الولادة
قد يكون انخفاض السكر في الدم لدى حديثي الولادة حالة طبيعية نتيجةً لتغيرات فيسيولوجية طبيعية تُرافق خروجه من الرحم وانقطاع تغذيته عن طريق المشيمة، وعادةً ما تكون أعراض انخفاض السكر طفيفة وتستمر لفترةٍ قصيرة، ولكن قد يكون انخفاض السكر لدى حديثي الولادة خطيرًا وله مُضاعفات على الطفل، لذا توصي جمعية الغدد الصماء للأطفال (Pediatric Endocrine Society) بفحص الرُضع الذين لديهم عوامل خطر لانخفاض ملحوظ في مستوى السكر في الدم،[4] من أبرز عوامل الخطر لدى الرُضع:[5][4]
- الولادة المُبكرة.
- انخفاض معدل نمو الجنين في الرحم مقارنة بالمعدلات الطبيعية وِفقًا لمرحلة الحمل.
- إصابة الأم بالسكري.
- زيادة حجم الجنين أثناء فترة الحمل.
- إصابة الرضيع بعدوى خطيرة، أو احتياجه إلى الأكسجين مُباشرة بعد ولادته.
- تعرُّض الجنين للإجهاد في فترة ما قبل الولادة، كإصابة الأم بتسمم الحمل أو ما قبل تسمم الحمل، أو نقص تروية الجنين الدموية، أو انخفاض الأُكسجين الواصل إليه.
انخفاض سكر الدم للحامل
يُشار إلى أنّ انخفاض سكر الدم للحوامل غير المُصابات بالسكري حالة نادرة،[6] ولكن تُعاني النساء الحوامل المُصابات بالسكري قبل الحمل من انخفاض سكر الدم وخاصةً في الثلث الأول من الحمل، كما ترتفع احتمالية هبوط السكر لديهنّ إذا كُنّ مُصاباتٍ بالسكري منذ فترةٍ طويلة، وكان تركيز السكر التراكمي (HbA1c) لديهنّ أعلى من 6.5 بداية الحمل.[7]
أسباب انخفاض سكر الدم وأنواعه
تتعدد أسباب الإصابة بانخفاض السكر في الدم،[8] من أبرز المُسبّبات لهذه المشكلة:
- الأدوية
تظهر أغلب حالات هبوط سكر الدم لدى مرضى السكري نتيجةً للعلاجات الدوائية كالإنسولين، والأدوية الفموية المُضادة لارتفاع سكر الدم (Oral Antihyperglycemic Medications)، مثل السلفونيليوريا (Sulfonylurea)، وعادةً ما ينخفض السكر في الدم بعد تناول الأدوية نتيجةً لإهمال تناول الوجبات الغذائية، أو زيادة المجهود البدني، أو بسبب مُعاناتهم من الاعتلال الكُلوي المُزمن.[9]
كما قد تُسبّب أدويةٌ أُخرى هبوط مستوى السكر في الدم، مثل البينتاميدين (Pentamidine)، وبعض مُضادات الاكتئاب كالفلوكسيتين (Fluoxetine)، والسيرترالين (Sertraline)، ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (Tricyclic antidepressant)، ومُدرات البول الثيازيدية (Thiazide Diuretics)، والميثوتريكسيت (Methotrexate)، والكوينين (Quinine).[8]
- هبوط سكر الدم الصيامي (Fasting Hypoglycemia)
يُقصد به هبوط السكر في الدم أثناء الصيام، وذلك إمّا بسب الصيام لفترةٍ طويلة قد تصل إلى عدة أيام، أو بسبب الإصابة ببعض الأمراض والاضطرابات،[9] أبرزها:[8][9]
- أورام تنشأ في خلايا جزر لانغرهانس البنكرياسية (Nesidioblastosis).
- نقص بعض أنواع إنزيمات الكبد الوراثية، كنقص إنزيم غلوكوز 6-فسفاتاز (Glucose 6-phosphatase)، أو نقص إنزيم فروكتوز ثنائي الفوسفاتاز (Fructose 1,6-bisphosphatase).
- الإفراط في شرب الكحول بالتزامن مع قلة تناول الطعام.
- أمراض الكبد المتقدمة كالتهاب الكبد الوبائي، والتليف الكبدي (Cirrhosis)، أو سرطان الكبد.
- الورم الإِنسولينيّ أو الورم الجزيري (Insulinoma).
- أمراض القلب.
- السرطان.
- داء أديسون (Addison disease).
- انخفاض سكر الدم التفاعلي (Reactive hypoglycemia)
يُقصد به انخفاض سكر الدم بعد تناول الطعام، وله ثلاثة أنواع؛ النوع الأول مجهول السبب ويظهر خلال 180 دقيقة من تناول الطعام، والنوع الثاني مرتبطٌ بالغذاء إذ يظهر بعد 120 دقيقة من تناول الوجبة الغذائية، والنوع الثالث وهو المُتأخر وتظهر أعراضه بعد 240-300 دقيقة،[10] ويصيب انخفاض السكر التفاعلي عادةً المرضى الذين يُعانون السمنة أو زيادة في الوزن، ومن لديهم تاريخ عائلي للإصابة بالسكري من النوع الثاني أو مُتلازمة الأيض (Metabolic syndrome)، كما قد يكون مؤشرًا لاحتمالية الإصابة بالسكري من النوع الثاني.[8]
أعراض انخفاض سكر الدم
تظهر أعراض انخفاض سكر الدم عندما تنخفض مستوياته عن 60 مليغرام/ديسيلتر،[9] وتتضمّن أعراضه:[3][11]
- الرُعاش (Tremor).
- القلق.
- خفقان القلب.
- التعرُّق.
- الشعور بالوخز.
- الشعور بالجوع.
- النُعاس.
- الشعور بالدوار.
- التعب والإرهاق العام.
- الصداع.
- عدم وضوح الرؤية.
- التهيُج.
- اضطراب الكلام.
كما تظهر على حديثي الولادة مجموعة من الأعراض التي تدل على انخفاض سكر الدم لديهم:[5][4]
- ازرقاق الجلد أو شحوبه.
- صعوبة في التنفس، مثل انقطاع النَفَس، أو إصدار صوت الشخير، أو التنفس بسرعة.
- تهيُج الطفل أو خموله.
- ليونة مفرطة في العضلات مع ضعفها.
- البكاء بصوتٍ خفيض أو عالي النبرة.
- صعوبة إرضاع الطفل.
- التقيؤ.
- انخفاض درجة حرارة الطفل.
- الرُعاش.
- التعرُّق.
- الإصابة بنوباتٍ تشنجية.
- الغيبوبة.
تشخيص انخفاض السكر في الدم
منذ عام 1938 ميلادي يتّبع الطاقم الطبي ثالوث ويبل (Whipple's triad) لتشخيص نقص مستوى السكر في الدم،[2] والذي يتضمن:[2][3]
- ظهور أعراض انخفاض سكر الدم على المريض.
- انخفاض مستوى سكر الدم عن 55 مليغرام/ديسيلتر.
- تحسُّن الأعراض بعد علاج المريض بالغلوكوز وارتفاع مستوى السكر في الدم.
علاج انخفاض سكر الدم
يُعد تناول السكر، كمضغ قطعةٍ من الحلوى، أو تناول أقراص الغلوكوز، أو شرب عصيرٍ مُحلّى العلاج المباشر لانخفاض سكر الدم بغض النظر عن نوعه أو سببه، كما يُنصح المرضى الذين تنتابهم نوبات هبوط السكر بحمل أقراص الغلوكوز أينما ذهبوا لاستعمالها عند الضرورة.[9]
علاج انخفاض السكر الصيامي
قد يكون اتباع أنظمةٍ غذائيةٍ معيّنة فعالًا في علاج أعراض انخفاض سكر الدم الصيامي، وذلك بتناول وجباتٍ خفيفة عدّة مرات خلال اليوم وخاصةً في فترة الليل، مع الحرص على احتواء الوجبات على الكربوهيدرات المُعقدة، كما يُنصَح بتجنب ممارسة التمارين الرياضية الشاقة، أمّا الحالات التي لا تستجيب للخطة الغذائية السابقة، فيمكن اللجوء إلى حقن الغلوكوز وريديًا أو استعمال عقار الأوكتريوتيد (Octreotide) لتقليل إنتاج الإنسولين، كما يلجأ الطبيب إلى الجراحة لعلاج انخفاض سكر الدم الصيامي الناجم عن الأورام.[8]
علاج انخفاض سكر الدم التفاعلي
تتضمّن الخطة العلاجية لانخفاض سكر الدم التفاعلي تقييد تناول الكربوهيدرات، وخصوصًا السكريات البسيطة، وقد تُستخدم أدوية مثبطات إنزيم جلوكوسيداز ألفا (Alpha-glucosidase inhibitors)، مثل عقار الأكاربوس (Acarbose) لإبطاء امتصاص الكربوهيدرات من الأمعاء.[8]
علاج انخفاض السكر عند حديثي الولادة
تهدف الخطة العلاجية لانخفاض سكر الدم عند حديثي الولادة إلى تقليل احتمالية حدوث المضاعفات نتيجةً لانخفاض السكر، أهمّها الأضرار الدماغية واضطرابات النمو العصبي، ويُعالَج الأطفال الذين لديهم عوامل خطر دون وجود أعراضٍ للإصابة بانخفاض السكر من خلال الرضاعة في الساعة الأولى من الولادة، مع الحرص على تكرار عدد مرات الرضاعة.[4]
أمّا في حال عدم ارتفاع مستوى السكر في الدم بعد الرضاعة أو عدم قدرة الرضيع على التغذية فمويًا، فيمكن تزويدهم بمحاليل السكر وريديًا، وفي حالاتٍ نادرة قد لا يتحسّن مستوى السكر في الدم لدى حديثي الولادة، لذا تُستعمَل أدوية ترفع من مستوى السكر في الدم، أو قد يُلجأ إلى الجراحة لإزالة جزء من البنكرياس لتقليل إنتاج الإنسولين، لكنها حالاتٌ نادرة جدًا.[5]
علاج انخفاض سكر الحوامل
يُنصَح بمراقبة مستوى سكر الدم دوريًا لدى النساء الحوامل المُصابات بالسكري بهدف مُلاحظة نوبة انخفاض السكر في الدم مُبكرًا، كما تُوصَى هؤلاء النساء بالاحتفاظ دومًا بأطعمة من الكربوهيدرات البسيطة لتناولها على الفور عند هبوط السكر، أمّا المرضى الحوامل المُصابات بالسكري من النوع الأول فيُصرف لهنّ إبر الغلوكاغون (Glucagon) التي تُعطَى بالعضل لاستخدامها عند الضرورة.[7]