خلال فترة الحمل يمرّ جسم الأنثى بالعديد من التغيرات التشريحية والفسيولوجية التي تسمح بنجاح انغراس البويضة المخصبة ونمو الجنين في الرحم، ومعظم هذه التغيرات مؤقتة إذ تعود لطبيعتها بعد الولادة، وتُعدّ التقلبات الهرمونية من أهم هذه التغيرات والتي تبدأ بزيادة هرمون الحمل (Human chorionic gonadotrophin) ثم ارتفاع مستويات هرمون البروجسترون والإستروجين، وتلعب هذه الهرمونات دورًا حيويًا خلال فترة الحمل، كضبط الجهاز المناعي الضروري لحماية الجنين.[1]
قد تتسبب العدوى في العديد من المضاعفات أثناء فترة الحمل، كما أنّ بعض أنواع العدوى قد تنتقل من الأم إلى الجنين، وعند البدء في العلاج يجب وضع الآثار المُحتملة لهذه الأدوية على الأم والجنين في الحسبان، بما في ذلك اختلاف تأثيراتها وفقًا لأسابيع الحمل.[2]
العدوى بالمجموعة ب من بكتيريا المكورات العقدية
استطاعت ريبيكا لانسيفيلد (Rebecca Lancefield) في ثلاثينات القرن الماضي تمييز المجموعة ب من بكتيريا المكورات العقدية (Group B Streptococcus) عن باقي الأنواع الأُخرى من بكتيريا المكورات العقدية بعد عزلها من الحليب والأبقار المُصابة بالتهاب الضرع البقري،[3] وتُعد المجموعة ب من بكتيريا المكورات العقدية هي أشهر مُسبب للعدوى التي تُهدّد حياة حديثي الولادة.[4]
توجد المجموعة ب من بكتيريا المكورات العقدية ضمن البكتيريا النافعة الموجودة طبيعيًا في الفم، والمهبل، والمستقيم، وتعتمد شراسة هذه المجموعة على نوع الغلاف الخارجي (الكبسولة) لعديد السكريات التي تملكها،[4] وتُعد الحامل أكثر عُرضةً للإصابة بالعدوى البكتيرية الناجمة عنها مرتين ضعف النساء غير الحوامل، وعلى الرغم من أن غالبية الحالات تُكتشف أثناء المخاض والولادة إلا أن النساء في فترة النفاس مُعرضات للإصابة بها حتى في ظل غياب أسباب الإصابة.[3]
طبقًا للإحصائيات فإن مُعدل الإصابة بالعدوى البكتيرية من المجموعة ب من بكتيريا المكورات العقدية عالميًا يبلغ 0.38 حالة إصابة من كل 1000 امرأة حامل، مع نسبة وفاة وصلت إلى 0.2%،[3] وتنتقل العدوى من الأم إلى الجنين بطريقتين، الأولى أثناء الولادة، والثانية أثناء أسابيع الحمل،[5] إذ تتسببان بما يقارب 75% من حالات انتقال العدوى إلى حديثي الولادة، خصوصًا أثناء الحمل الذي تبلغ نسبة انتقال العدوى خلاله 50%.[4][5]
أعراض العدوى بالمجموعة ب من بكتيريا المكورات العقدية أثناء الحمل
من الصعب تشخيص الإصابة بالعدوى البكتيرية عن طريق الأعراض السريرية، إذ إنّ 20-25% من الحوامل يحملنّ المرض دون ظهور أي أعراض، وتظهر فقط على ما يُقارب 0.5-1% من المصابات،[4] ومن الأعراض التي قد تظهر على الحوامل:[3][4]
- إنتان أو تجرثم الدم (Bacteremia) الذي يؤدي إلى تغير الحالة العقلية للمريض، والقشعريرة، وارتفاع درجة حرارة الجسم، كما قد يؤدي إلى الإصابة بالتهاب بطانة القلب (Endocarditis) والتهاب الأغشية السحائية (Meningitis) لدى الحوامل.
- التهابات الجلد والأنسجة الرخوة، والتي تظهر على المريض على هيئة خراجات، أو عدوى القدم، أو تقرحات الفراش.
- الالتهاب الرئوي.
- التهاب مجرى البول.
علاج العدوى الناجمة عن المجموعة ب من بكتيريا المكورات العقدية أثناء الحمل
طبقًا لمركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها ( The Center for Disease Control and Prevention)، فإن على الحوامل إجراء فحص بزراعة مخبرية لعينة من المستقيم والمهبل في الأسابيع 35 و 37 من مرحلة الحمل للكشف عن عدوى بكتيريا المكورات العقدية،[6] وإذا كانت نتيجة الزراعة إيجابية فيجب أن يبدأ العلاج أثناء المخاض، أمّا الحوامل اللواتي يعانين من بكتيريا في البول أو قد سبق إنجابهنّ أنجبن لطفلٍ مصاب بالعدوى البكتيرية، فيجب أن يبدأن العلاج دون الحاجة إلى فحص الزراعة.[4]
خلال فترة المخاض تُعطى الحامل حقنة وريدية تحتوي على 5 ملايين وحدة من البنسلين المائي (Aqueous penicillin G) كجرعة أولية، ثم تُعطى حقنة وريدية أُخرى تحتوي على 2.5 مليون وحدة من البنسلين المائي كل 4 ساعات حتى الولادة، وفي حالة معاناة الأُم من حساسية من البنسلين المائي يمكنها أن تأخذ سيفازولين (Cefazolin) بجرعة أولية مقدارها 2 جم عن طريق الوريد، ثم 1 جم وريديًا كل 8 ساعات.[4][5]
أمّا في حالة إصابة الأم بالحساسية الشديدة (التأق) من البنسلين المائي، يمكنها أن تأخذ كليندامايسين (Clindamycin) بجرعة 900 مليجرام كل 8 ساعات، أو إيريثرومايسين (Erythromycin) بجرعة 500 مليجرام كل 6 ساعات، وفي حالة مقاومة البكتيريا لهذين النوعين يمكن إعطاء الحامل عقار فانكومايسين (Vancomycin) بجرعة 1 جم كل 12 ساعة.[4][5]
مضاعفات عدوى المجموعة ب من بكتيريا المكورات العقدية أثناء الحمل
قد تؤدي الإصابة بالعدوى البكتيرية التي تسببها المجموعة ب من بكتيريا المكورات العقدية إلى العديد من المضاعفات لدى الأم، إذ تزيد من معدل الإصابة بالتهاب المشيمة الذي قد يتسبّب بإنتان الدم، بالإضافة إلى التهاب بطانة الرحم، والولادة القيصرية، والتهاب جرح الولادة القيصرية، كما قد يؤدي إلى الولادة المُبكرة، والإصابة بالتهاب وخراج الثدي، والتهاب الأغشية السحائية، وبطانة القلب، والعظام.[6]
أمّا الجنين، فإنه قد يُصاب بالعدوى البكتيرية المبكرة التي قد تحدث قبل بلوغه 7 أيام، أو قد يُصاب بالعدوى البكتيرية المتأخرة التي تحدث بين اليوم 7 و 89 بعد الولادة، لذلك يجب مراقبة وملاحظة الأعراض أو العلامات التي تظهر على أي جنين يُولد لأُمٍ خضعت للعلاج الوقائي لمواجهة العدوى البكتيرية.[4]
التهاب المسالك البولية
تحدث أثناء فترة الحمل بعض التغيرات في مجرى البول، فتصبح الحامل أكثر عُرضة للإصابة بالعدوى،[7] أبرز هذه المُتغيرات:[7]
- تمدد الحالب بسبب ضغط الرحم.
- زيادة مستوى هرمون البروجسترون الذي يتسبب بارتخاء العضلات الملساء، مما يؤدي إلى ركود البول.
- الجزر المثاني الحالبي (Vesicoureteral reflux).
بالإضافة إلى ذلك، قد ترفع مجموعة من العوامل مثل تكرار تركيب القسطرة أثناء الولادة، والتغيرات في نشاط المثانة، وزيادة تمدد المثانة من خطر الإصابة بالتهاب المسالك البولية بعد الولادة، وتجدر الإشارة إلى معاناة الحامل خلال فترة الحمل من حالة ضعف الجهاز المناعي، وهذا سببٌ آخر لزيادة خطر الإصابة بالتهاب المسالك البولية.[7]
يُعد التهاب المسالك البولية ثاني أشهر مرض يُصيب الحوامل بعد مرض فقر الدم، وفي ذات الوقت يُعد أشهر التهاب يُصيب الحوامل خلال الحمل، فطبقًا للإحصائيات تعاني 5-10% من النساء من أحد أنواع التهابات المسالك البولية،[8] ويوجد 3 أنواع مختلفة من التهاب المسالك البولية قد تصيب الحامل:[8]
- البيلة الجرثومية دون أعراض (Asymptomatic bacteriuria).
- التهاب المثانة الحاد (Acute cystitis).
- التهاب الحويضة والكلية الحاد (Acute pyelonephritis).
من الجدير بالذكر أنّ مُسببات التهاب مجرى البول في فترة الحمل هي ذاتها مسببات الالتهاب لدى غير الحوامل،[7] وتشمل هذه المسببات:[4]
- الإشريكية القولونية (Escherichia coli).
- الكليبسيللا (Klebsiella species).
- البكتيريا المعويّة (Enterobacter species).
- بكتيريا المكورات المعوية (Enterococcus species).
- المجموعة ب من بكتيريا المكورات العقدية (Group B Streptococcus).
- البكتيريا العنقودية الرمّامة (Staphylococcus saprophyticus).
- البكتيريا المتقلبة الرائعة (Proteus mirabilis).
البيلة الجرثومية بدون أعراض
البيلة الجرثومية بدون أعراض تُعرَّف على أنّها وجود البكتيريا في البول بما يُقارب على الأقل 100 ألف وحدة في كل 1 مليلتر في العينة المزروعة مخبريًا من البول، وذلك مع غياب أعراض وعلامات التهاب المسالك البولية،[9] يُشَار إلى أنّ نسبة الإصابة بالبيلة الجرثومية بدون أعراض متساوية لدى الحوامل وغير الحوامل، إذ تُقدر بـ 2-13%.[8] وعلى الرغم من ذلك، فإن إصابة الحوامل بالبيلة الجرثومية يجعلهُن أكثر عُرضة للإصابة بالتهاب الحويضة والكلية الحاد، فتقريبًا 20-40% من الحوامل المُصابات بالبيلة الجرثومية بدون أعراض ممّن لم يتلقين العلاج قد يُصبن بالتهاب الحويضة والكلية الحاد، مقارنةً بـ 14% من الحوامل غير المُصابات بالبيلة الجرثومية بدون أعراض.[4]
على عكس غير الحوامل، فإن الإصابة بالبيلة الجرثومية بدون أعراض في فترة الحمل يتطلب العلاج لتقليل التأثيرات السلبية على كلٍ من الأم والجنين، أمّا إذا كان السبب هو الإصابة بالمجموعة ب من بكتيريا المكورات العقدية فيجب عندها إيلاء الحالة اهتمامًا أكثر، إذ إنّها قد تؤدي إلى الإصابة بالبيلة الجرثومية بدون أعراض لدى 2-10% من الحوامل، وهو ما يرفع خطر الإصابة بتمزق أغشية المشيمة قبل ميعادها، والولادة المبكرة، بالإضافة إلى زيادة خطر إصابة الطفل بالعدوى البكتيرية المبكرة بـمقدار 25 مرة.[8]
التهاب المثانة الحاد
يُعرف التهاب المثانة الحاد على أنه الإصابة بالبيلة الجرثومية الشديدة التي تنتقل إلى الغشاء المخاطي للمثانة،[9] إذ ترفع الإصابة بالبيلة الجرثومية بدون أعراض من خطر الإصابة بالتهاب المثانة الحاد بمقدار 3-4 مرات لدى الحوامل أكثر من غير الحوامل، لذلك تصاب واحدة من كل 3 حوامل بالتهاب المثانة الحاد،[8] وتشمل أعراض التهاب المثانة الحاد:[7][8]
- ألم أو حرقان أثناء التبول.
- زيادة عدد مرات التبول.
- الشعور برغبة مُلحة للتبول.
- ألم فوق العانة.
- ظهور دم في البول.
تجدر الإشارة إلى أن زيادة عدد مرات التبول أو تكرار الرغبة في التبول ليست أعراضًا مميزة لالتهاب المثانة الحاد، لأن الحامل تُصاب بهذه الأعراض بنسبة 80% أثناء الحمل ودون الإصابة بالتهاب المثانة الحاد.[8]
التهاب الحويضة والكلية الحاد
يُعرف التهاب الحويضة والكلية الحاد على أنه الإصابة بالبيلة الجرثومية الشديدة الذي يصاحبه التهاب الكلية،[9] وتُقدّر نسبة الإصابة به لدى الحوامل بـ 1-4%، وتزداد هذه النسبة بعد إصابة الحامل بالبيلة الجرثومية حتى تصل إلى 13-40%، في حين أن نسبة الإصابة بالتهاب الحويضة والكلية الحاد قد تصل إلى 0.4% فقط في حالة عدم الإصابة بالبيلة الجرثومية.[8]
بالإضافة إلى البيلة الجرثومية، توجد عدة عوامل خطر أُخرى للإصابة بالتهاب الحويضة والكلية الحاد، مثل التدخين، وتأخُّر الحصول على العلاج، والحمل بتوائم، والإصابة بمرض السكري، وتحصّي الكلى،[8] وتؤدي الإصابة بالتهاب الحويضة والكلية الحاد إلى ظهور العديد من الأعراض:[7]
- ألم الخاصرة.
- ارتفاع درجة الحرارة.
- القشعريرة.
- الإرهاق، أو فقدان الشهية، أو الغثيان، أو التقيؤ.
مضاعفات التهاب المسالك البولية
تؤدي الإصابة بالتهاب المسالك البولية إلى العديد من المضاعفات سواءً للأم أو الجنين، خاصةً الإصابة بالتهاب الحويضة والكلية الحاد،[7] ومن هذه المضاعفات:[7][8]
- تعفن الدم (Sepsis) الذي يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم، وتسارع ضربات القلب، ونقص ناتج البول مما يستدعي دخول الحامل إلى قسم العناية المركزة.
- المضاعفات الرئوية، مثل الإصابة بوذمة رئوية، أو متلازمة الضائقة التنفسية الحادة (Acute respiratory distress syndrome)، وقد تحتاج الحامل في هذه الحالات للمكوث في قسم العناية المركزة حتى تحسُن حالتها، ولكن هذه المضاعفات نادرة الحدوث.
- فقر الدم.
- انخفاض وزن الجنين.
- الولادة المبكرة.
- الفشل الكلوي.
- ارتفاع ضغط الدم.
- العدوى الجهازية.
- تسمم الحمل.
- زيادة خطر الإصابة بخلل في نمو الجنين، والتخلف العقلي.
- انخفاض معدل ذكاء الطفل بمقدار نقطتين عن المعدل الطبيعي.
علاج التهاب المسالك البولية
وفقًا للكلية الأمريكية لطب النساء والتوليد (the American College of Obstetricians and Gynecologists) فإن على جميع الحوامل إجراء زراعة مخبرية للبول في الأسبوع 12 و 16 من الحمل، أو في أول زيارة لها للطبيب،[8] كما يمكن تشخيص الإصابة عن طريق تحليل البول، بالإضافة إلى بعض الفحوصات الأُخرى، مثل فحص تعداد الدم الكامل، وفحص الكهارل، وفحص الكيرياتين.[7]
في حالة الاشتباه بإصابة الحامل بالتهاب البنكرياس يمكن إجراء فحص الأميليز (Amylase) والليبيز (Lipase)، وفي حالة الاشتباه بإصابتها بإنتان الدم يمكن إجراء زراعة مخبرية لعينة من الدم، بالإضافة إلى فحص مستوى حمض اللاكتيك.[7]
يجب علاج كل حالات وأنواع التهاب المسالك البولية للوقاية من الإصابة بالمضاعفات، ويُعالَج التهاب المسالك البولية عن طريق تناول المضادات الحيوية،[4] لكن يعتمد اختيار المضاد الحيوي المناسب على نتيجة فحص الزراعة المخبرية لعينة البول،[7] ومن الأمثلة على المضادات الحيوية التي يمكن من خلالها علاج التهاب المسالك البولية ب:[4][8]
- أموكسيسيللين (Amoxicillin).
- أمبيسيلين (Ampicillin).
- سيفالوسبورين (Cephalosporins).
- فوسفومايسين تروميتامول (Fosfomycin trometamol).
- نتروفورانتوين (Nitrofurantoin).
- سلفوناميدات (Sulfonamides).
- إريثرومايسين (Erythromycin).
- كلينداميسين (Clindamycin).
- فانكوميسين (Vancomycin).