الاكتئاب أثناء الحمل: ما أسبابه؟ وهل يمكن علاجه دون ضرر على الجنين؟

يُعد الاكتئاب أثناء فترة الحمل حالة شائعة الحدوث، وقد تشعر العديد من الأمهات الحوامل بالذنب نتيجة المشاعر السلبية التي تراودهن خلال فترة الحمل، ولكن لا بأس بذلك فتلك الحالة تُدعى اكتئاب الحمل، والتي يُعتقد أنها نتيجة التغيرات الهرمونية خلال الحمل، وتجدر الإشارة إلى ضرورة مراجعة الطبيب المُختص في حال استمرار أعراض الحزن وفقدان المتعة بالحياة لمدة تزيد عن أسبوعين، وذلك لتلقّي الدعم والعلاج المناسب.

حالما تُبشّر المرأة بالحمل يغمرها شعورٌ عارم بالفرح والسرور والتوقعات الرائعة، ولكن هذا ليس الحال دائمًا، إذ يُعد اكتئاب الحمل حالة نفسيّة شائعة تُصيب النساء خلال فترة الحمل، ولا يُقصد بذلك المشاعر السلبية العابرة التي قد تتعرض لها الأم خلال فترة حملها، بل هي مشكلة طبية تستدعي القلق، تتضمن أعراضها مشاعر حُزن قوية تمتد لفترة طويلة من الزمن، مع عدم القدرة على الشعور بالبهجة أو الفرح، ولا يقتصر الأمر على الأعراض التي تعاني منها الأم، بل قد يتأثر طفلها بذلك، فقد يقل مُعدل نمو الجنين، أو تزيد احتمالية ولادة الطفل مُبكرًا، أو يولد الطفل بوزنٍ منخفض.[1][2]

ما هو اكتئاب الحمل؟

تتخبط مشاعر الأم أثناء فترة حملها، وقد تنتابُها مشاعر الحزن أو التوتر بين الفينة والأُخرى، وتعاني 10 نساء حوامل من أصل 100 من الاكتئاب خلال فترة الحمل، ويتميز الاكتئاب باستمرارية الشعور بالحُزن أو فقدان المُتعة في الأنشطة التي كانت تُشعرها بالفرح سابقًا، ويجب أن تستمر الأعراض لمدة لا تقل عن أسبوعين لتشخيص الحامل بالاكتئاب.[3]

يُوصي المعهد الوطني للصحة وجودة الرعاية (NICE) مقدمي الرعاية الصحية بإجراء تحرٍ عن صحة الحامل العقلية والنفسية، ويمكن الكشف عن وجود الاكتئاب بطرح سؤالين محوريين يسألهما الطبيب للمرأة خلال المراجعات الدورية للحمل:[4]

  • خلال الشهر الماضي، "هل غَلَبت عليكِ مشاعر الإحباط والاكتئاب وفقدان الأمل في الحياة؟"
  • خلال الشهر الماضي، "هل شعرتِ بفقدان الاهتمام أو قلة المُتعة بممارسة النشاطات المُختلفة معظم الوقت؟"

وفي حال كانت إجابة السؤالين نعم، يُجري الطبيب تقييمًا مستفيضًا لتحديد الحالة النفسية للمريضة بدقة، أو قد يُحيلُها إلى طبيب الأمراض النفسية.[4]

أعراض الاكتئاب أثناء الحمل

بحسب التصنيف الدولي للأمراض بنسخته العاشرة (ICD-10) الذي تُطلقه مُنظمة الصحة العالمية (World Health Organization) تتضمن أعراض الاكتئاب:[5][6]

  • المزاج السلبي.
  • فُقدان المتعة والحماس لدى ممارسة الأنشطة التي تبعث على البهجة.
  • انخفاض الطاقة؛ مما يُسبب الشعور بالتعب وبالتالي انخفاض النشاط البدني (ولكن قد يكون هذا العرض نتيجة الحمل أيضًا[4]).
  • الشعور بالتعب بعد أداء جُهدٍ بسيط.
  • انخفاض معدل التركيز والانتباه.
  • تناقُص مستوى الثقة بالنفس واحترام الذات.
  • الشعور بالذنب، وعدم الاستحقاق، أو الجدارة.
  • النظرة التشاؤمية للمستقبل.
  • اضطرابات النوم.
  • فقدان الشهية للطعام.
  • فقدان الوزن بنسبة تزيد عن 5 بالمئة من وزن المريضة.
  • أفكار أو أفعال لإيذاء النفس أو الانتحار.
  • قلة الاستجابة العاطفية مع الأحداث المُبهجة المُحيطة بالمريضة.

في حال ظهور الأعراض السابقة لمدةٍ تزيد عن أُسبوعين، أو ظهورها لمدة أقل ولكن بشدة أكثر، تُشخّص المرأة الحامل بالاكتئاب، وقد تتراوح أعراض الاكتئاب ما بين الخفيفة والمتوسطة إلى الشديدة.[5]

أسباب الإصابة بالاكتئاب أثناء الحمل

يُسبّب الاكتئاب أثناء الحمل عددٌ من العوامل الاجتماعية، والنفسية، والحيوية، والجينية، ونظًرا للتغيرات الهرمونية التي تحدث أثناء فترة الحمل، فقد يُعزى الاكتئاب لهذه التغيرات وخاصة في هرمون الإستروجين، والبروجيستيرون، والهرمون المُطلق للكورتيكوتروبين (Corticotropin-releasing hormone) وهرمون أوكسيتوسين (Oxytocin)، ولكن لا يوجد دليلٌ قطعي يُثبت ارتباطهما بالاكتئاب، ولا يزال البحث جاريًا لمعرفة ارتباط التغيرات الهرمونية بالاكتئاب أثناء الحمل.[7]

عوامل خطر الإصابة بالاكتئاب أثناء الحمل

من العوامل التي ترفع من احتمالية الإصابة بالاكتئاب أثناء الحمل:[8][9]

  • الحمل في مرحلة عمرية مبكرة.
  • المستوى التعليمي المنخفض.
  • دخل الأسرة المتواضع.
  • وجود تاريخ طبي للإصابة بالاكتئاب أو الأمراض النفسية.
  • الإجهاض سابقًا.
  • تعرُّض الأم إلى العنف المنزلي في مرحلة الطفولة أو سوء المُعاملة.
  • الشعور بقلق شديد خلال فترة الحمل.
  • انخفاض الثقة بالنفس.
  • قلة دعم الأم الحامل من العائلة والأصدقاء.
  • الحمل غير المُخطط له.

طرق الوقاية من الإصابة بالاكتئاب أثناء الحمل

تتوفر العديد من الخيارات غير الدوائية التي تساعد الحامل على الوقاية من اكتئاب الحمل، وقد ثبُتت فعالية هذه الطرق في علاج اكتئاب الحمل أيضًا، ومن أمثلة ذلك برنامج الزيارات المنزلية الذي يُقدَّم للأمهات الأكثر عُرضة للإصابة بالاكتئاب أثناء الحمل، ويُقدم هذا البرنامج خدمات تثقيفية للأم ترتكز على الصحة النفسية خلال فترة الحمل، وكيفية تحضير المنزل لاستقبال المولود الجديد، وتوثيق أواصر الصلة بين العائلات التي تنتظر مولودًا ومقدمي الرعاية الصحية.[7]

كما قد يساعد المرأة الحامل الخضوع لجلسات من العلاج السلوكي المعرفي (Cognitive Behavioral Therapy)، والعلاج النفسي التفاعلي (Interpersonal psychotherapy).[10]

علاج الاكتئاب أثناء الحمل

يعتمد علاج الاكتئاب أثناء الحمل على شدة الأعراض التي تُعاني منها المرأة الحامل، وبحسب توصيات المعهد الوطني للصحة وجودة الرعاية (NICE) يجب على الأمهات الحوامل اللاتي يُعانين من الاكتئاب أثناء الحمل تلقي تثقيفًا حول ماهيّة المرض، وعن أعراضه، ومدى تأثير الاكتئاب في الأم والطفل وأُسرَهن، والخيارات العلاجية المُتاحة،[3] ويتضمّن علاج الاكتئاب خلال الحمل:

العلاجات غير الدوائية

يُلجأ إلى الخيارات غير الدوائية في حالات الاكتئاب الطفيفة إلى المتوسطة،[3] وتشمل طيفًا واسعًا من البرامج العلاجية:

  • العلاج السلوكي المعرفي:

يُجرى العلاج السلوكي المعرفي بإشراف مُعالجٍ مختص، ويتمحور العلاج حول تعليم المريضة طريقة إدراك الأفكار السلبية التي تشعر بها، وإعادة تقيميها، وطرق التخلص منها، ولا يقتصر الأمر على الجلسة العلاجية فحسب، بل يجب إعطاء المريضة واجبات بيتية لتطوير المهارات اللازمة لتحديد ومراقبة الأفكار السلبية، وطرق مواجهتها وتأثيرها في الأعراض الحالية.[11]

  • الحث على التعاون بين الزوجين:

يستند التعاون بين الوالدين (Co-parenting intervention) على فكرة أنّ مرحلة ما بعد الولادة قد تُشكل عبئًا على الأم، إذ تحاول جاهدةً الموازنة بين أمومتها وواجباتها الزوجية، لذا فإنّ تعاون الزوج يُعد عاملًا مُهمًا، يتمخّض عنه توزيع المسؤوليات القادمة مع قدوم المولود.[11]

  • برنامج الزيارات المنزلية:

يتضمن برنامج الزيارات المنزلية (Home visiting programs) زيارات دورية (أسبوعية أو شهرية) من المختصين في برامج الرعاية الصحية للأم الحامل، ويهدف البرنامج إلى زيادة التثقيف النفسي للأم الحامل وأسرتها، وتعزيز الصحة النفسية للحامل، وتقديم الدعم للأم ضمن بيتها، وتُشير دراسة حديثة نُشرت في مجلة (Frontiers in Psychiatry) عام 2022 بعنوان (Home Visiting as an Equitable Intervention for Perinatal Depression: A Scoping Review) إلى فعالية برنامج الزيارات المنزلية في علاج الاكتئاب أثناء الحمل.[12]

  • العلاج النفسي التفاعلي:

يرتكز العلاج النفسي التفاعلي العلاج على تبادل الأفكار، والأعراض، والمشاعر بين مجموعة من الأشخاص الذين يُعانون من الاكتئاب بإشراف مُعالجٍ نفسي، وتُعقد جلساتٍ أسبوعية لمدة ساعة واحدة على مدار 12 أسبوعًا، وتتضمن الجلسات العلاجية تقنيات مُعينة لتغير السلوكيات السلبية.[13]

العلاج الدوائي

تُوصف مُضادات الاكتئاب عند فشل العلاجات غير الدوائية في تحسين الأعراض، أو في حال كانت الأعراض شديدة، أو إذا كانت المريضة تُعاني من الاكتئاب قبل الحمل وتتناول مُضادات الاكتئاب،[3] من الأدوية التي تُستخدم لعلاج اكتئاب الحمل وتؤخذ بإشراف الطبيب فقط:[3][14]

  • مُثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية (Selective serotonin reuptake inhibitors)، وتُعد من أكثر الأدوية استخدامًا أثناء فترة الحمل.
  • مثبطات استرداد السيروتونين والنورإبينفرين (Serotonin-norepinephrine reuptake inhibitors).
  • عقار بوبروبيون (Bupropion).
  • عقار ميرتازابين (Mirtazapine).

مخاطر عدم علاج الاكتئاب أثناء الحمل

قد تتهاون النساء الحوامل في علاج الاكتئاب أثناء الحمل، وهذا قد يُعرضهن والأجنة في أرحامهن لمخاطر عديدة:[15][2]

  • تفاقُم الحالة المرَضية.
  • ارتفاع احتمالية تعاطي الأم للأدوية المُخدرة.
  • سوء التكيُّف الاجتماعي.
  • زيادة العُنف.
  • الإقدام على الانتحار.
  • عدم قدرة الأم على الاهتمام والرعاية بنفسها أثناء فترة الحمل.
  • الإصابة بمرحلة ما قبل تسمم الحمل (Preeclampsia).
  • الولادة المُبكرة، ويُرافقها انخفاض وزن الطفل عند الولادة.
  • زيادة خطر الإجهاض.

متى ينتهي اكتئاب الحمل؟

تُشير دراسة سريرية نُشرت في عام 2017 ميلادي في مجلة (Singapore Medical Journal) بعنوان أنماط وتنبؤات نتائج العلاج للاكتئاب قبل الولادة (Patterns and predictors of treatment outcome for antenatal major depression) أنّ أغلب الأمهات يتعافين من الاكتئاب بعد فترة قصيرة من العلاج، وبالأخص اللواتي لا يُعانين من اكتئاب قبل الحمل وتتراوح أعمارُهن ما بين منتصف العشرينيات ومنتصف الثلاثينيات، ولكن الأمهات اللاتي أُصبن بالاكتئاب قبل الحمل أو ذوات الأعمار المتقدمة على الأغلب قد يحتجن إلى فتراتٍ أطول من العلاج.[16]

كتابة: الصيدلانية مرام غرايبة - الخميس ، 26 تشرين الأول 2023
تدقيق طبي: الصيدلانية أسيل الخطيب

المراجع

1.
Becker, M., Weinberger, T., Chandy, A. et al. . Depression During Pregnancy and Postpartum. Curr Psychiatry Rep 18, 32 (2016). . Retrieved from https://doi.org/10.1007/s11920-016-0664-7
2.
Brentwood (TN): Organization of Teratology Information Specialists (OTIS), 2022. Depression. In: Mother To Baby | Fact Sheets [eBook edition]. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK582663/
3.
Vigod SN, Wilson CA, Howard LM. Depression in pregnancy. BMJ 352: i1547, 2016. Retrieved from https://doi.org/10.1136/bmj.i1547

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية

تكلم مع استشاري نفسي كبار أونلاين عبر طبكان
احجز