ألم الحوض المُزمن عند النساء (Chronic Pelvic Pain in Women) هي حالةٌ صحيّة تواجهها 26 بالمئة من النساء حول العالم، وعلى الرُغم من أنّ سبب ألم الحوض المُزمن غالبًا ليس الجهاز التناسلي الأُنثوي عند 80 بالمئة من المرضى، إلا أنّه يُعد سببًا لاستئصال الرحم لدى 12 بالمئة من الحالات،[1] وتُعد آلام الحوض المُزمنة مشكلةً شائعةً، كما أنّها تُشكِّل تحديًا كبيرًا لمُقدمي الرعاية الصحية، لأنّ أسباب الإصابة بها غير واضحة، وتاريخها الطبي مُعقد، واستجابتها للعلاج ضعيفة.[2]
ما هو ألم الحوض المُزمن عند النساء؟
عرّفت الكُلّية الأمريكية لأطباء الأمراض النسائية والتوليد (The American College of Obstetricians and Gynecologists) ألم الحوض المُزمن عند النساء على أنّه الشعور بألم مصدره الأعضاء الداخلية في منطقة الحوض لمُدةٍ تزيد عن 6 أشهر،[3] ويُوصف الألم على أنّه مُستمر، وتشعُر به النساء في الحوض نفسه، أو في منطقة البطن من أسفل السُرّة، أو في منطقة الظهر القطنية العجزية (وهي منطقة أسفل الظهر)، أو في الأرداف،[2] ويُسبّب الألم المُزمن تداعيات نفسية وجسدية على المريضة، لأنه يُقيّد نشاطها البدني مما يؤدي إلى فقدان اللياقة البدنية، كما أنّ الشعور بالألم ينتُج عنه حالة من الخوف، والقلق، والضيق، مما يُسبّب تدهور الحالة المزاجية للمريضة، ويؤدي بها إلى العُزلة الاجتماعية.[3]
أسباب ألم الحوض المُزمن عند النساء
تتعدّد مُسببات الإصابة بألم الحوض عند النساء، فقد يُعزى إلى اضطراباتٍ في الجهاز التناسلي، أو الجهاز البولي، أو بسبب اختلالاتٍ عصبية وعضلية، وقد تتزامن عدّة عوامل مُسببةُ ألم الحوض لدى بعض النساء،[2] من أهم مُسبّبات ألم الحوض المُزمن عند النساء:
- أمراض ذات صِلة بالجهاز التناسُلي الأُنثوي، وتتضمّن الانتباذ البطانيّ الرحمي (ويُعرف أيضًا باسم بطانة الرحم المهاجرة Endometriosis)، والتهاب عضلات الرحم وغدده (Adenomyosis)، والداء الالتهابي الحوضي (chronic pelvic inflammatory disease)، ومُتلازمة بقايا المبيض (Ovarian remnant syndrome)، والالتصاقات الحوضية (Pelvic adhesions)، وألم الفرج المُزمن (Vulvodynia)، والتهاب دهليز الفرج (Vestibulitis).[3]
- أمراض ذات صِلة بالجهاز البولي، وتشمل التهاب المثانة الخِلالي (Interstitial Cystitis)، وسرطان المثانة (Bladder Neoplasm)، وعدوى المسالك البولية المُزمنة، والتهاب المثانة نتيجةً للعلاج الإشعاعي، وحصوات الكلى، والمثانة العصبية، والرتج الإحليلي (Urethral diverticulum)، واللُحيمة الإحليلية (Urethral caruncle).[2]
- أمراض ذات صِلة بالجهاز الهضمي، مثل مُتلازمة القولون العصبي (Irritable Bowel Syndrome)، وداء الأمعاء الالتهابي (Inflammatory Bowel Diseases)، والتهاب الرَّتج (Diverticular Disease)، والداء البطني الزُّلاقي (Celiac Disease)، وحدوث الالتصاقات بعد العمليات الجراحية.[4]
- اضطرابات نفسية، كالاكتئاب، واضطراب القلق العام، واضطراب ما بعد الصدمة.[5]
- أمراض ذات صِلة بالجهاز العضلي الهيكلي، ومنها تشنُج عضلات قاع الحوض، ووضعية العمود الفقري السيئة، وألم أسفل الظهر، والألم الليفي العضلي (أو ما يُعرف بالفيبروميالجيا Fibromyalgia)، وألم العُصعُص المُزمن (Chronic Coccygeal Pain)، والفتق الأُربي (Hernias).[6]
تشخيص ألم الحوض المُزمن عند النساء
يعتمد تشخيص ألم الحوض عند النساء على السيرة المَرَضية، والفحص السريري للمريضة، فقد يلجأ الطبيب المُختص للتصوير بالموجات الفوق صوتية (الألتراساوند) لاستبعاد وجود تشوهاتٍ تشريحية في الحوض تُسبب الألم، أو قد يُستخدَم التنظير البطني لبعض الحالات كما في حال بطانة الرحم المُهاجرة.[7]
وكما أُشير سابقًا إلى أن أسباب ألم الحوض مُتعددة، لذا يَعمدُ الطبيب لطرح مجموعة من الأسئلة على المريضة لتحديد مُسببات ألم الحوض، كالعوامل التي تزيد أو تُقلل من الأعراض، وعلاقة الألم بالدورة الشهرية، والتبوُل، والنشاط الجنسي، وحركة الأمعاء، واستجابة المريضة للعلاجات السابقة، كما يلجأ الطبيب لتقييم الصحة العقلية والنفسية للمريضة.[5]
يُساعد تحديد موقع وخصائص الألم الذي تُعاني منه المريضة على تشخيص المرض بدقّة، وإعداد خطة علاجيةٍ فعالة،[2] فمثلًا يُشير الألم الذي يتميز بالشعور بانقباض أو تشنج إلى مُتلازمة القولون العصبي، أو داء الأمعاء الالتهابي، بينما الألم المُتذبذب بشدته المرافق للدورة الشهرية فيُرجّح الإصابة ببطانة الرحم المُهاجرة، وإذا كان الألم مرتبطًا بحاجةٍ مُلحة للتبول فعلى الأغلب تُعاني المريضة من التهاب المثانة الخلالي.[7]
هل ألم الحوض من علامات الحمل؟
تُعاني العديد من النساء الحوامل من ألم الحوض في بداية الحمل، وعادةً لا يدعو هذا الألم للقلق وبالأخص إذا كان مؤقتًا، ويرجع سببه إلى التغيُرات الطبيعية التي تحدث خلال الحمل، إذ تتحرك العظام والأربطة في منطقة الحوض لتُلائم تموضع الجنين فيه، ولكن قد تُسبب بعض الاضطرابات ألمًا في الحوض أثناء الحمل أيضًا، ويمكن مُلاحظة ذلك من الأعراض التي تترافق مع ألم الحوض، كالنزيف المهبلي، إذ قد يُشير ذلك لاحتمالية حدوث إجهاض للجنين، أو حملٍ خارج الرحم (Ectopic Pregnancy).[8]
يمكن علاج ألم الحوض أثناء الحمل بالتمارين الرياضية، مثل برنامج تمارين الحوض باستخدام جهاز إعادة توجيه الحوض (Pelvic Realignment Device)، وتمارين اليوغا، وتمارين البيلاتس (Pilates)، والتمارين الهوائية، وتمارين المُقاومة،[9] كما تُنصح الحامل بتجنُب حمل الأشياء الثقيلة، وإراحة الجسم قدر الإمكان، ووضع وسادة بين الرُكبتين أثناء النوم، ووضع الكمادات الدافئة على مناطق الألم.[8]
علاج ألم الحوض المُزمن عند النساء
يُعد ألم الحوض المُزمن من الاضطرابات غير المفهومة جيدًا، مما يُصّعب علاجه، لذا فإن التعامل مع هذه الحالة يستلزم الاستعانة بعددٍ من المختصين من مختلف التخصصات الطبية، ويتطلب العلاج معرفةً بجميع أعضاء منطقة الحوض، بما في ذلك الجهاز العضلي الهيكلي، والعصبي، والنفسي،[2] ويمكن تقسيم الخيارات العلاجية إلى علاجاتٍ دوائية وأُخرى لا دوائية:
العلاج الدوائي لألم الحوض المزمن
يُعالَج ألم الحوض المُزمن لدى النساء تٍبعًا لِمُسبّبها، أما في الحالات مجهولة السبب، فيلجأ الطبيب لعلاج الألم الذي تشعر به المريضة، بالإضافة لضرورة إجراء المزيد من التقييم والفحوصات الطبية لمعرفة السبب وراءها، وتتضمّن الخطوة الأولى في علاج ألم الحوض مجهول السبب استخدام المُسكنات، مثل الأسيتامينوفين (Acetaminophen)، ومُضادات الالتهاب اللاستيرويدية (NSAID)،[5] كما يُستخدم عقار التيزانيدين (Tizanidine) لتخفيف الألم، إذ إنّه يُثبط الجهاز العصبي المركزي.[2]
أما حالات ألم الحوض المُزمن المُرتبطة بالاعتلالات العصبية، فيمكن علاجها بعدة خيارات دوائية:[7]
- مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (Tricyclic antidepressant)، كدواء الأميتربتيلين (Amitriptyline).
- مثبطات استرداد السيروتونين والنورابينفرين (SNRIs)، ومن أمثلتها دواء فينلافاكسين (Venlafaxine)، ودواء دولوكسيتين (Duloxetine).
- مُضادات الاختلاج (Anticonvulsant)، كعقار الغابابنتين (Gabapentin)، وعقار البريجابالين (Pregabalin).
العلاج غير الدوائي لألم الحوض المزمن
ويُعد العلاج الطبيعي لعضلات الحوض (Pelvic Floor Physical Therapy) من الخيارات العلاجية غير الدوائية للسيطرة على ألم الحوض المُزمن لدى النساء،[5] ويتضمن العلاج الطبيعي خيارات عديدة بما يتناسب مع حالة المريضة، ومن أمثلة ذلك تقنية استرخاء اللفافة العضلية (Myofascial release)،[3] إذ يُجرى على يد اختصاصين مُدربين على كيفية استخدام هذه التقنية، بإجراء ضغطٍ طفيف وببطء على المنطقة المُصابة.[10]
يُسبّب استمرار الشعور بالألم الاكتئاب لدى بعض النساء، لذا يُنصح بالعلاج المعرفي السلوكي (Cognitive Behavioral Therapy) كعلاجٍ مُساعد للعلاج الدوائي والعلاج الطبيعي،[3] ويشمل العلاج السلوكي المعرفي التنفس العميق، وتعلُّم تقنيات للسيطرة على عضلات الحوض كتقلصها واسترخائها، وتدريب المثانة لتقليل تكرار التبول.[11]
تُستخدم الجراحة في حالات ألم الحوض بالاعتماد على مُسبّبه، ففي حالة بطانة الرحم المُهاجرة لُوحظ تحسنٌ لدى المرضى بعد إجراء الجراحة بالمنظار، ويبقى خيار استئصال الرحم حلًا أخيرًا لعلاج ألم الحوض المُزمن نظرًا لمخاطره، ومحدودية فوائده.[7]