احتلت أمراض القلب الوعائية (Cardiovascular Diseases) والسرطانات بأنواعها المراكز العشر الأولى في تصنيف منظمة الصحة العالمية لأهم أسباب الوفاة حول العالم، إذ تُقدّر الوفيات السنوية جرّاء الأمراض القلبية الوعائية في الولايات المُتحدة ما ينوف عن 647,000 حالة وفاة، ويُعد احتشاء عضلة القلب (Myocardial Infarction) إحدى الحالات الطبية المتعلقة بأمراض القلب والأوعية الدموية.[1]
ما هو احتشاء عضلة القلب؟
الشرايين التاجية (Coronary Arteries) هي أولى تفرعات الشريان الأبهر، وتتمثل وظيفتها بتزويد عضلة القلب بالأكسجين والغذاء اللازمين لأداء مهامه بكفاءة،[2] وعندما يتضيق أحد الشرايين التاجية نتيجةً لترسُب الكوليسترول، والدهون، وخلايا الدم البيضاء على جدرانها يحدث ما يسمى باحتشاء عضلة القلب.[3]
يُعرّف احتشاء عضلة القلب، أو كما يُسمى بالنوبة القلبية (Heart Attack)، على أنه مشكلة صحية تحدث نتيجة توقُف التروية الدموية عن القلب، إذ يُسبب انسداد أحد الشرايين التاجية ضررًا لعضلة القلب نتيجة نقص تزويدها بالأكسجين اللازم لأداء وظيفتها،[3] ولاحتشاء عضلة القلب نوعين:[4]
- احتشاء عضلة القلب غير المصحوب بارتفاع المقطع (ST) (Non-ST-segment elevation MI): وهي نوبة قلبية يُحددها للأطباء بواسطة اختبارات الدم، ولكنها لا تُسبب تغيرات على مخطط كهربية القلب (ECG).
- احتشاء عضلة القلب المصحوب بارتفاع المقطع (ST) (ST-segment elevation MI): وهي نوبة قلبية يُكشف عنها باختبارات الدم، والتغيرات التي تظهر على جهاز التخطيط الكهربائي للقلب (ارتفاع القطعة ST من مخطط القلب).
أعراض احتشاء عضلة القلب
من المهم معرفة أعراض النوبة القلبية وطلب المساعدة الطبية العاجلة، لأن نقص التروية الدموية الواصلة إلى عضلة القلب ينتج عنها مضاعفات خطيرة، إذ إنّ عدم تلقي الكميات الكافية من الأكسجين لفترة معينة قد يؤدي إلى موت أنسجة عضلة القلب، ولكن في حال وصول المساعدة الطبية وإجراء العلاج اللازم بأسرع وقت ممكن، فقد يكون بالإمكان منع أو تقليل الضرر المحتمل على عضلة القلب،[5] من أعراض احتشاء عضلة القلب:
- ألم في الصدر في منطقة خلف عظمة القص، قد يصف المريض الألم الناجم عن احتشاء عضلة القلب كضغط أو ثقل على الصدر، يستمر لأكثر من 20 دقيقة، ولا يزول بالراحة.[6]
- ألم في الجزء العلوي من الجسم، قد ينتقل إلى الكتف الأيسر، أو الفك، أو الرقبة، أو الذراعين.[5]
- الشعور بالدوار أو فقدان الوعي.[6]
- تعرُّق غزير ومفاجئ.[4]
- ضيق في التنفس.[5]
- خفقان في القلب.[6]
- الغثيان والتقيؤ.[5]
أشارت جمعية القلب الأمريكية في التقرير الصادر عام 2016 ميلادي أنّ أعراض النوبة القلبية لدى النساء تتبع نمطًا غير تقليدي عمّا ذُكر سابقًا من أعراض، إذ تشتمل الأعراض الأُخرى المرافقة لألم الصدر على شعور بتعب غير طبيعي، وضيق في التنفس، وآلام في أعلى الظهر، وأعراض شبيهة بأعراض الإنفلونزا، والدوار، والإحساس بالخوف أو القلق، وعُسر الهضم، وخفقان القلب.[7]
أسباب احتشاء عضلة القلب
يُعد تصلب الشرايين (Atherosclerosis) السبب الرئيسي للإصابة باحتشاء عضلة القلب،[8] وتصلُب الشرايين هو مشكلة تنجم عن ترسب الدهون، والكوليسترول، ومخلفات الخلايا داخل الجدار المبطن للأوعية الدموية، ونتيجة لتراكم هذه المواد ينتج ما يسمى باللويحات (Plaques)،[9] وعندما تنسلخ اللويحات المتراكمة داخل الشرايين التاجية ينشط نظام تجلط الدم تلقائيًا، فتحاول الصفائح الدموية ترميم المنطقة التي حدث فيها التسلخ، فتتراكم الصفائح في الشرايين، مسببةً تضيقًا في الشريان، فتحدث الجلطة الدموية التي تسبب بدورها احتشاء عضلة القلب.[8]
تتضمن عوامل خطر الإصابة بتصلب الشرايين المسببة لاحتشاء عضلة القلب:[9][10]
- ارتفاع الكوليسترول في الدم.
- ارتفاع ضغط الدم.
- التدخين.
- السكري.
- العمر؛ ترتفع نسبة الإصابة بتصلب الشرايين لدى الذكور فوق 45 عامًا، والإناث أكثر من 55 عامًا.
- السمنة.
- قلة النشاط البدني.
- الضغط النفسي.
من الأسباب غير الشائعة لحدوث النوبة القلبية، تشنج الشريان التاجي (Coronary Artery Spasm)، وكعاقبةٍ لهذا التشنج ينسد الشريان التاجي مسببًا احتشاء عضلة القلب.[4]
علاج احتشاء عضلة القلب
يُوصى بمراجعة قسم الطوارئ عاجلًا لدى حدوث نوبة قلبية حادة، وفي حال توقف نبض القلب يُجرى الإنعاش القلبي الرئوي (Cardiopulmonary resuscitation (CPR)) للمريض، أو يستخدَم جهاز الصدمات الكهربائي لاستعادة النبض، ويهدف علاج احتشاء عضلة القلب إلى استعادة التروية الدموية دون تأخير لمنع الضرر المحتمل على عضلة القلب.[3]
يُعطى الأسبرين فور شعور المريض بالأعراض، لأنه يساعد على تفكيك الجلطة الدموية في الشريان التاجي، بالإضافة لذلك قد يصف الطبيب بعضًا من الأدوية المُذيبة للخثرة (Thrombolytic Drugs)، ومن أمثلتها؛ مُنشّط البلازمينوجين النسيجي (Tissue plasminogen activator drug)، أو دواء ستربتوكيناز (Streptokinase)، أو دواء يوروكيناز (Urokinase).[3]
وتُستخدم النيترات (Nitrates) لعلاج احتشاء عضلة القلب بطريقتين؛ كقرصٍ تحت اللسان أو وريديًا، ويُعد الشكل الوريدي منها أكثر فاعلية في علاج أعراض النوبة القلبية، ويزيد الطبيب جرعة النيترات بالتدريج حتى تختفي الأعراض، كما تساعد النيترات على استعادة ضغط الدم الطبيعي في حال ارتفاعه.[6]
أما الألم المرافق لاحتشاء عضلة القلب، فيمكن علاجه وريديًا باستخدام مسكنات الألم الأفيونية (Opioid) كالمورفين، ويهدف علاج الألم إلى تثبيط الجهاز العصبي الودي الذي يُسبب الشعور بالألم، مما يُقلل الجهد والضغط على القلب، ويرتبط الألم بالشعور بالقلق لذا يجب طمأنة المريض وذويه،[11] وإعطاء المرضى الذين يشعرون بقلق شديد بعض الأدوية المُهدئة مثل البنزوديازيبين (Benzodiazepine).[6]
أما عن استخدام الأكسجين، فلا يُعطى لجميع مرضى احتشاء عضلة القلب، ويقتصر على المرضى الذين يعانون من نقص الأكسجين (أي في حال كانت نسبة تشبُع الدم بالأكسجين أقل من 90%).[11]
تُجرى القسطرة القلبية لمرضى احتشاء عضلة القلب المصحوب بارتفاع مقطع ST في مخطط كهربية القلب (STEMI)، لكن يُشترط إجراؤها قبل انقضاء 120 دقيقة من تشخيص المريض،[6] وتُجرى تحت التخدير الموضعي، إذ يُدخل الطبيب أنبوبًا دقيقًا إلى الشرايين التاجية، يحتوي هذا الأنبوب على بالون في طرفه، وعند وصول الأنبوب للمنطقة المسدودة من الشريان يزداد حجم البالون فيتوسّع الشريان، مما يُسهل مرور الدم خلاله.[3]
في حال عدم استجابة المريض للقسطرة القلبية أو عدم إمكانية إجرائها، يلجأ الطبيب للخيار الأخير وهو جراحة المجازة أو تحويلة الشريان التاجي (Coronary Artery Bypass Graft Surgery) أو كما تُعرف باسم عملية القلب المفتوح،[11] إذ يحوّل الجراح مجرى الدم في الشريان المسدود بتشكيل مسار جديد لتدفق الدم في الشرايين التاجية، وذلك بأخذ قطعة من الأوردة السليمة في الذراع أو اليد، ثم توصيله مع الشريان التاجي المتضرر أعلى وأسفل المنطقة المسدودة فيه، مُتيحًا للدم تجاوز هذه المنطقة بما يسمى بالتحويلة.[12]
هل احتشاء عضلة القلب خطير؟
أشارت دراسة حديثة نُشرت في مجلة (International Journal of Legal Medicine) عام 2020 ميلادي بعنوان (Sudden cardiac death-update)، والتي تتناول آخر التحديثات حول توقف القلب المفاجئ، أنّ مرض احتشاء عضلة القلب أحد أهم الأسباب المؤدية إلى توقف القلب المفاجئ، وقد يتبعها مضاعفات خطيرة قد تصل إلى موت المريض،[13] بالإضافة لذلك، ترتفع احتمالية توقف القلب المفاجئ خلال الشهور الأولى بعد إصابة المريض بالنوبة القلبية، نتيجةً لعدم انتظام ضربات القلب الخطيرة، أو الإصابة بنوبة قلبية أٌخرى، أو حدوث تمزق في عضلة القلب.[14]
طرق الوقاية من احتشاء عضلة القلب
من الطرق المثبت فاعليتها بتقليل احتمالية الإصابة باحتشاء عضلة القلب:[15][16]
- الإقلاع عن التدخين.
- علاج ارتفاع ضغط الدم.
- خفض نسبة الكوليسترول المرتفعة في الدم.
- اتباع نظام غذائي صحي والالتزام به.
- الامتناع عن شرب الكحول.
- المحافظة على نسبة السكر في الدم بنسبٍ طبيعية لدى المرضى المصابين بالسكري.
- ممارسة التمارين الرياضية.
- استشارة الطبيب حول تلقي أدوية تعويضية لنقص الإستروجين لدى النساء في فترة انقطاع الطمث.
- تناول جرعة منخفضة من الأسبرين بعد استشارة الطبيب.
أما عن طرق الوقاية من تكرار الإصابة بالنوبة القلبية:[17][18]
- ممارسة التمارين الرياضية (وخاصةً تلك التي تزيد من التعرُق) مرتين أسبوعيًا على الأقل.
- الإقلاع عن التدخين.
- اتباع نظام غذائي يُدعى بحمية البحر الأبيض المتوسط، الذي يرتكز على تناول الخبز، والفواكه، والخضراوات، والأسماك، وتقليل استهلاك اللحوم، واستبدال الزبدة والجبن بالزيوت النباتية الصحية.
- الحرص على تناول ما لا يقل عن 7 جرام من الأوميغا-3 أسبوعيًا، ويمكن الحصول عليه بتناول 2-4 وجبات من الأسماك الدهنية أسبوعيًا، أو باستشارة الطبيب قبل تناول مُكملات الأوميغا-3.
- الحفاظ على وزن ضمن الحدود الطبيعية، أو التخلص من الوزن الزائد.
- الحفاظ على ضغط الدم الانقباضي ما دون 140 مليميتر زئبق.
- تناول الأدوية التي يصفها الطبيب بعد الإصابة بالنوبة القلبية، كمثبط الإنزيم المحول للأنجيوتنسين (ACE inhibitor) أو حاصرات مستقبلات أنجيوتنسين (ARBs).