ثقافة الحوار
تطوعت مجموعة من طلبة الجامعة الأردنية ، ويظهر لي أن غالبيتهم من كلية الطب، بتنظيم جلسات تعنى بلغة الحوار. وهذا يدل بأختصار، أن أبنائنا الطلبة الأذكياء لاحظوا أن هناك ضعف وعدم خبرة بالتحاور/ المناقشه بكافة المواضيع الثقافية والأجتماعية وربما أيضا العلمية تنتشر بين الطلاب. ويقصد بثقافة الحوار كما أفهما، الأستماع الى الرأي الآخر، واحترام الرأي الآخر، والمناقشة معه دون استعمال الكلمات والإشارات التي تهاجم شخصيا المحاور . بحق، أبدع هؤلاء الطلاب في تنظيم فكرة جلسات الحوار. ففي خلال اليوم الماضي فقط تابعت على صفحات الفيسبوك موضوعين ، الأول عن الرئيس جمال عبد الناصر، والثاني عن وزير أردني تعين ليوم واحد وأستقال، وحصل حديثا على معاش التقاعد كوزير ، وفي كلا الحالتين كان هناك تعليقات مؤيدة وآخرى معارضة . وهذا بنظري شئ طبيعي ولا غبار عليه. فلكل واحد منا رؤويته الخاصة في الكثير من المواضيع العامة والسياسية وحسب مقدار اهتماماته . ولكن الغريب أن قسما من التعليقات التي تابعتها، والتي كتب معظمها مثقفين وجامعيين ومهنيين، خرجت عن لغة الحوار الموضوعي، وأخذت طابع الشخصنة والتهجم على شخص وفكر الآخر الذي يعارض رأيه. أنا شخصيا أحترم كل الأصدقاء والزملاء الذين أعرفهم وأتابعهم ويتابعوني في الفيسبوك، وأفترض بأن غالبيتهم العظمى عندهم حسن النية والرغبة الحقيقة بالتعبيرعن آرائهم التي يعتقدون بصحتها وصدقها. وحسب خبرتي في مناقشة المواضيع العلمية، يظهر لي أن الأختلاف عادة بين الزملاء حول أحد المواضيع يعود بالإساس على مدى متابعة الزملاء للمراجع العلمية الرصينة والموثوقة جيدا. فالمعروف أننا نعيش حاليا في عالم أنتشار المعرفة والأعلام بشكل كبير جدا ، ويصعب على كل مختص أن يتابع كل الجديد في مجال تخصصه الدقيق، فكيف الحال إذا حاول أي شخص غير مختص أن يتابع الأخبار السياسية اليومية أو أن يتابع تاريخ الأحداث التي مرت خلال السنوات الماضية. بأختصار، جزءا هاما من قيمة الحوار تضيع بنقص المعرفة والأطلاع على مصادر المعلومات الجيدة وغير المزورة حول موضوع الحوار. وللعلم، كتب الأكاديمي الشهير الدكتور أدوارد سعيد في كتابه عن " الأسشراق" بأن قسما كبيرا من تاريخنا كتبه المستشرقون بما يخدم مصالح الدول المستعمرة، ولا يعكس حقائق تاريخ العرب والمسلمين الصحيح. وثانيا، هناك مؤسسات عالمية ودول تصرف ملايين الدولارات لكتاب وصحفيين ومركز بحث ونشر ومحطات تلفزيون ليعملوا في نشر معلومات مزورة، وأفكار مضلله وخبيثة، بهدف أن يفقد المواطن العربي الثقة بنفسه وبلده وعروبته، ويضيع بمتاهات تجعله لا يعرف حقائق الأحداث. فلذلك أتمنى أن ينجح طلابنا الرائعين بنشر لغة الحوار أو على الأقل تمهيد الطريق للتدرب على النقاش وأحترام الرأي الآخر.
وبصراحة بعد خبرة أربعون عاما بالتدريس في الجامعة الأردنية، أستطيع أن أقول بكل آسف، بأن الجامعة ممثلة بأعضاء التدريس فيها لم تساهم فعليا بتحسين لغة الحوار والمناقشة بين طلبتها، وأعتقد أن هذا الأمر ينطبق على كل الجامعات الأردنية والعربية .
مشاهدة المزيد