قلق الانفصال عند الأطفال: حالة طبيعيّة قد تتحوّل لمشكلة نفسيّة

تنشأ مشكلة قلق الانفصال لدى بعض الأطفال نتيجة تعلقهم بوالديهم أو أحدهم، فتغلُب عليهم مشاعر الخوف والقلق نتيجة شعورهم المُستمر باحتماليه تغيُّب الأب أو الأُم عن ناظريهم، يمكن للطبيب النفسي التدخُّل لحل المشكلة إذا ما استمرّت بعد 3 أعوام من عمر الطفل، وتتضمّن الخطة العلاجية مجموعة من السلوكيات التي تساعد الوالدين في تخليص الطفل من التعلُّق المُفرط بهم.

يعاني معظم الأطفال في الفترة العمريّة بين 6 أشهر حتى 3 سنوات ممّا يسمّى بقلق الانفصال، وهي حالة طبيعيّة تتولّد لدى الأطفال أثناء نموّهم جرّاء اعتمادهم على والديهم أو مَن يقدّم لهم الرعاية في هذه الفترة، فتنشأ لديهم حالة من الخوف والقلق الدائم من مفارقة الوالدين أو أحدهما، وفي حين يبدأ معظم الأطفال بالتغلُّب على هذه المخاوف تدريجيًا بمجرد تخطّيهم مرحلة الطفولة المبكّرة، فإنّ بعض الأطفال تتفاقم مخاوفهم من الانفصال عن والديهم وتصبح أشّد وأكثر حدّة لتتحوّل إلى مشكلة نفسيّة تستدعي نوعًا من الرعاية المختلفة، وهي ما تُعرَف باضطراب قلق الانفصال (Separation anxiety disorder).

أسباب اضطراب قلق الانفصال عند الأطفال

يمكن أن تتولّد مشاعر القلق المُفرطة لدى الأطفال نتيجة عدم استشعار الأمان المستمر، ليخلق ذلك حالة خوف من انفصالهم عن أحد والديهم أو كليهما، فيزداد التعلُّق والالتصاق بهم لتتحوّل إلى حالة مرَضيّة مزعجة لكليهما، تحدث حالات اضطراب قلق الانفصال عند الأطفال بسبب عوامل ترفع من معدل الإصابة به لدى مجموعات أكثر من غيرها.

أبرز الأسباب التي تلعب دورًا في تفاقم حالة قلق الانفصال لدى الأطفال لتتحوّل لاضطراب يتطلّب الرعاية والعلاج:

  • عوامل جينيّة تساهم في أن يرِث بعض الأطفال سهولة تعرُّضهم للقلق والخوف إذا ما تعرّضوا لمؤثّرٍ ما.
  • اكتساب مشاعر القلق العارم من الوالدين أو أحَد أفراد العائلة المقرّبين.
  • تعرُّض الطفل لمواقف وأحداث تسلبه شعور الأمان، أو القلق الدائم من خسارة أحد والديه أو كليهما، مثل طلاق والديه، أو موت حيوانه الأليف، أو الانتقال لمدرسة أو بيت جديد.
  • الخوف المفرِط من الوالدين على طفلهما، فيُحيطانه بهالة من التوتر والقلق الدائمين خشية أن يتعرّض لأيّ مكروه، ما يحفّز اكتساب الطفل للمشاعر المضطّربة التي تُحيط به باستمرار.

أعراض قلق الانفصال عند الأطفال

تتفاوت طبيعة الأعراض التي يعايشها الأطفال ممّن يعانون من اضطراب قلق الانفصال، إلّا أنّ الأعراض التي تظهر على غالبيّتهم تتمثّل بموجاتٍ عارمة من الخوف الذي يسيطر عليهم جرّاء قلقهم المستمر من الانفصال عن أحَد الوالدين أو القائمين على رعايتهم، ويُشَار إلى مجموعة من الأعراض المُصاحبة لاضطراب قلق الانفصال لدى الأطفال لى أنّها الأكثر شيوعًا:

  • التحايل المستمر على الوالدين للتغيُّب عن المدرسة سواءً بادّعاء المرض أو غيره.
  • نوبات الهلع الشديد لدى الطفل عند ابتعاد والديه عنه أو خروجهما لإنجاز مهمّة ما.
  • مشاعر دائمة من الخوف على الوالدين وخشية إصابتهم بأيّ أذى إذا ما غابوا عن ناظريّ الطفل ما يزيد بتعلقُّه بهم أو بأحدهم.
  • الأرق وعدم الرغبة بالنوم لِما يعايشه الطفل من كوابيس تحوي مشاهد من الانفصال المرسوم بمخيّلته.
  • الالتصاق بالوالدين أو أحدهما أينما ذهبوا، حتى لو كان داخل المنزل.
  • الشكوى من بعض المشاكل والآلام الجسديّة عندما يهُمّ أحد الوالدين بالخروج لقضاء حاجةٍ ما تستدعي غيابه المؤقت.
  • خوف الطفل الشديد والمستمر من أن يتعرّض للاختطاف أو أن يتوه وينفصل عن والديه رغمًا عنه.
  • الخوف من البقاء وحيدًا معظم الأوقات.

كيفيّة علاج قلق انفصال عند الأطفال

لا ينبغي أن يُشكّل قلق الانفصال لدى الأطفال دون الثالثة عائقًا من إنجاز أعمالهم، ولا ينبغي كذلك أن يثير القلق لدى والديهم، إنمّا هي حالة طبيعيّة يتخلّص منها الطفل تدريجيًا بمساعدة أمّه أو أبيه عندما يستطيع تفهّم مسألة غيابهم المؤقت عن ناظريه، وبأنّ ذلك لا يعني خسارتهم وانفصالهم الدائم عنه.

غالبًا يُنصَح الآباء والأمّهات بالتواصل مع الاختصاصيين النفسيين فقط في الحالات التي يستمرّ معها قلق الانفصال لِما بعد الثلاث سنوات من عمر الطفل، وهي المرحلة العمريّة التي ينبغي أن يبدأ فيها الطفل بالانخراط اجتماعيًا مع محيطه وتضمحّل لديه عادة التعلُّق التي ولّدتها العلاقة الطبيعيّة بين الطفل ووالديه أو أحدهما خلال الأعوام الأُولى من ولادته.

تشمل الخطة العلاجيّة لقلق الانفصال التي يتّبعها الطبيب النفسي لمساعدة الطفل في تخطّي الاضطراب لديه على خيارات عدّة قد تضم علاجًا واحدًا أو مجموعة من العلاجات:

  • العلاج النفسي بالتحدُّث الودّي مع الطفل وخلق مساحة آمنة تُمكّنه من التعبير عمّا يخيفه، ومساعدته ليتغلّب على هواجسه بالانفصال عن والديه، ويمثّل العلاج السلوكي المعرفي أحَد أنواع العلاج النفسي التي يتبعها الاختصاصي لتعليم الطفل مهارات مبنيّة على فهمٍ عام للمواقف والأحداث بطريقة مبسطّة تمكّنه من السيطرة على مشاعر القلق التي تعتريه تدريجيًا.
  • التعاون مع القائمين على مدرسة الطفل ممّن يتعاملون معه مباشرة لتأمين بيئة ملائمة وآمنة قدر المُستطَاع، ما يساهم في تحسين مهاراته الاجتماعيّة واستغلال ذلك إيجابًا في تعليمه أساليب تساهم في تخطّي حالة القلق التي تعتريه عند ابتعاده عن والديه، ومساعدته على بناء علاقات جديدة مع أقرانه، وغير ذلك من المحفّزات ذات التأثير الإيجابيّ على الحالة النفسيّة للطفل في هذه المرحلة.
  • إشراك الوالدين بجميع العلاجات المُنتقاة يرفع من معدل فعاليّة العلاج ويُمكّن الطبيب من سبر أغوار نفسيّة الطفل وما يغذّي مشاعر القلق من الانفصال لديه، ما يُسهّل مهمّة الطبيب في تخليص الطفل من هذا الاضطراب.

هل يمكن تجنُّب قلق الانفصال لدى الأطفال

يمكن انتهاج مجموعة من الأفعال التي من شأنها أن تخفّف وطأة قلق الانفصال لدى الأطفال في مراحلهم المختلفة، تمثّل كل من الآتية ما اتّفق عليه اختصاصيي الطب النفسي كنصائح يمكن اتبّاعها لتجنُّب تفاقم مشكلة قلق الانفصال لدى الأطفال، أهمّها:

  • تجنُّب وداع الأطفال المطوّل عند مفارقتهم لإنجاز أعمال يوميّة اعتياديّة، إذ يُفضّل أن يكتفي الوالدين بوداعٍ عابر لتخفيف مشاعر القلق التي قد تنشأ لديهم إذا ما اقترن وداعهم لهم بالعناق والقُبَل والمشاعر الفيّاضة.
  • الوفاء بالعهود التي تُبرَم مع الطفل عند إعلامه بضرورة تغيُّب أحَد والديه لبعض الوقت مقابل أن يحافظ على هدوئه، ما يزيد من معدل الثقة بينهم ويقلّل شيئًا فشيئًا من حدّة القلق عند الانفصال.
  • الحرص على خلق بيئة اجتماعيّة حول الطفل ليتواصل باستمرار مع الأشخاص ممّن لم يعتَد على تواجدهم حوله، ما يسهّل انخراطه لاحقًا في المرحلة التحضيريّة للمدرسة وغيرها ممّا يستوجب ابتعاده عن والده أو والدته لساعاتٍ خلال اليوم.

المراجع

  1. Robinson L, Segal J. and Smith M. (2021). Separation anxiety and separation anxiety disorder, retrieved from HelpGuide: https://www.helpguide.org/articles/anxiety/separation-anxiety-and-separation-anxiety-disorder.htm
  2. Separation anxiety disorder in children. (n.d.). Retrieved from Stanford Children’s Health: https://www.stanfordchildrens.org/en/topic/default?id=separation-anxiety-disorder-90-P02582
  3. Meadows-Fernandez R. (2018). What is separation anxiety disorder in adults? Retrieved from Healthline: https://www.healthline.com/health/separation-anxiety-in-adults
  4. Separation anxiety. (2018). Retrieved from NHS: https://www.nhs.uk/conditions/baby/babys-development/behaviour/separation-anxiety/
  5. Swanson W. (2021). How to ease your child’s separation anxiety? Retrieved from Healthy children: https://www.healthychildren.org/English/ages-stages/toddler/Pages/Soothing-Your-Childs-Separation-Anxiety.aspx
  6. Pendley J. (2016). Separation anxiety, retrieved from KidsHealth: https://kidshealth.org/en/parents/sep-anxiety.html
  7. Separation anxiety disorder. (2021). Retrieved from MayoClinic: https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/separation-anxiety-disorder/symptoms-causes/syc-20377455

كتابة: . ليلى الجندي - الإثنين ، 25 نيسان 2022

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية

تكلم مع استشاري نفسي اطفال أونلاين عبر طبكان
احجز