اضطراب ما بعد الصدمة: الأسباب وطرق العلاج

يمكن أن يكون تأثير بعض الحوادث التي قد يتعرّض لها البعض عميقًا ولا يمكن تخطّيه، فيترك أثرًا نفسيًا يتحول ليصبح عقبة تحُول بينه وبين قدرته على أداء أعماله ونشاطاته المُعتادَة، يمكن للطب النفسي مساعدة الشخص بتجاوز هذه الحالة بواسطة أطبّاء من ذوي الخبرة والمهارة سواءً بالعلاجات النفسية أو الدوائية.

يُعدّ اضطراب ما بعد الصدمة Posttraumatic Stress Disorder (PTSD) أحد الاضطرابات النفسيّة التي تؤثّر على بعض الأشخاص نتيجة تعرُّضهم لظروف أو حوادث خارج دائرة احتمالهم، ما يتسبّب بمجموعة من الأعراض التي تتمثَّل باجتياح مشاعر الحزن والهواجس السلبيّة، التي قد تستمر لفترة طويلة بعد انقضاء الحادثة التي كانت سببًا في الصدمة.

سبق وأن ارتبط اضطراب ما بعد الصدمة في الماضي بالمُحاربين والناجّين من الحروب، خصوصًا بعد الحربين العالميتَين الأُولى والثانية، إلّا أنّ هذا المُصطلَح اتسعت دائرته لتشمل شريحة أكبر من ضحايا الصدمات أو الحوادث النفسيّة المختلفة التي قد يتعرّض لها أيّ شخص في حياته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، مثل: الكوارث الطبيعيّة، أو النّجاة من حادثة خطيرة أو عنيفة، إضافة إلى أعمال العنف الجسديّة أو الجنسيّة، وعلى الرغم من أنّ تشخيص إصابة البعض باضطراب ما بعد الصدمة يستدعي تعرُّضه لأحداثٍ خطيرة أو مُزعجة، إلّا أنّ البعض الآخر قد يُصاب بهذا الاضطراب بطريقة غير مباشرة؛ بمعنى أن يعلم مثلًا عن تفاصيل مُرعبة لجرائم معيّنة، خصوصًا تلك التي تخصُّ الأطفال، أو أن يفقد شخصًا مُقرّبًا فجأة، أو يعلم عن تفاصيل مُروِّعة رافقت وفاة أحد أفراد عائلته أو أصدقاؤه المُقرّبين.

اضطراب ما بعد الصدمة من الاختلالات النفسيّة الشائعة والمُكلِفة اجتماعيًا وصحيًا، فهو يؤثّر سلبًا في المُجتمع ككُل ويترافق مع مجموعة من العواقب التي تستدعي إبقاء الحالة تحت المراقبة، والسعي في إعادة تأهيل المُصابين باضطراب ما بعد الصدمة ومساعدتهم على استعادة قدرتهم على ممارسة حياتهم اليوميّة كما اعتادوا عليها.[1][2]

أسباب اضطراب ما بعد الصدمة

تختلف المُسبّبات التي تؤدّي إلى إصابة البعض باضطراب ما بعد الصدمة، وذلك لاختلاف ردود الأفعال تِجاه مواقف وأحداث معيّنة، ففي حِين يستطيع البعض تخطِّي الحوداث التي قد يتعرّض لها والسيطرة على حالة الحزن والخوف التي قد تتولَّد لديه، فإنّ البعض الآخر لا يملُك السُبُل التي تعبر به إلى برّ الأمان بعد الصدمة التي عَبَرَت حياته، من أبرز الأحداث التي قد تؤدّي إلى اضطراب ما بعد الصدمة:[3][4]

  • الاعتداءات الجسديّة أو الجنسيّة العنيفة.
  • حوادث المركبات.
  • التعرُّض للتمييز العنصري بناءً على العِرق أو الجنس أو غيرهما، وما يُصاحب ذلك من سُوء معاملة.
  • حوادث الاختطاف.
  • الحروب والقتالات العسكريّة.
  • الكوارث الطبيعيّة كالزلازل والفيضانات.
  • الجوائح والأوبئة العالميّة، مثل كوفيد-19.
  • خسارة أحَد الأشخاص المُقرّبين خلال ظروفٍ سيئة.
  • تشخيص الإصابة بأحد الأمراض الخطيرة.
  • الاستماع إلى تفاصيل حوادث مؤلمة من أصحابها، أو رؤية أحداث دامية كالتي يتخلّلها سقوط ضحايا، غالبًا ما يتعرّض لهذا النوع من الأحداث مَن يشغلون وظائف معيّنة، مثل: مُحقّقي الجرائم في أقسام الشرطة أو مُنتسبي القوات المُسلّحة.

قد تلعب بعض الأسباب الأُخرى دورًا في رفع معدلات الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة لدى فئة معيّنة، إذ إنّ الأشخاص الذين يملكون -هُم أو أيّ من أقاربهم من الدرجة الأُولى- تاريخًا مَرَضيًا يشير إلى سَبق الإصابة بأحد الأمراض النفسيّة، يُعَدُّون أكثر عُرضة للإصابة باضطرابٍ نفسي بعد التعرُّض لأنواع الصدمات التي قد يُعايشونها.

أعراض اضطراب ما بعد الصدمة

تُوصَف أعراض اضطراب ما بعد الصدمة على أنّها غير مُزمنة في غالب الحالات، ويتعافى منها الشخص خلال ما يُقارب 6 أشهر، عادةً تبدأ أعراض اضطراب ما بعد الصدمة بالظهور على المريض خلال فترة الثلاثة أشهر التي تعقب تعرُّضه للصدمة، إلّا أنّه من الممكن أن تتأخّر الأعراض في الظهور لتبدأ بعد أشهر أو سنواتٍ من الحادثة.

للاستدلال على الأعراض المُرافقة لاضطراب ما بعد الصدمة وتشخيص الإصابة بهذا الاضطراب، لا بُدّ أن تستمر الأعراض لشهرٍ واحد على الأقل، ويتحدّد ذلك بعد تشخيص الطبيب النفسي للحالة وفقًا لمجموعة من المُعطيات التي قد تظهر على المريض.

تنقسم الأعراض المُصاحبة لاضطراب ما بعد الصدمة إلى فئاتٍ مختلفة:[5][6]

  • أعراض ناجمة عن استعادة أحداث التجربة الصادمة مرارًا وتكرارًا، عبر استعراضها ذهنيًا لا إراديًّا بواسطة كوابيس، أو هواجس مُخيفة أو ذكريات، قد تترافق مع تسارع ضربات القلب أو التعرُّق.
  • أعراض ناجمة عن استمرار تجنُّب كُل ما يتعلّق بالحادثة، كأن لا يقترب من الأماكن، أو الأشخاص، أو الأشياء المرتبطة بالحدَث المُسبّب للصدمة، أو ربمّا يعمَد إلى تجنُّب الأفكار أو الذكريات ذات العلاقة بالتجربة التي مرّ بها، قد تتسبّب مثل هذه الأعراض بانعزال الشخص اجتماعيًا وانعدام رغبته في الانخراط بأيّ نشاط.
  • أعراض مُرتبطة بفرط اليقظة التي يشعر بها الشخص المُصاب باضطراب ما بعد الصدمة، فهو يشعر دائمًا بأنهّ تحت تهديدٍ ما أو خطرٍ مُحدِق، من هذه الأعراض: نوباتٍ من الغضب والانفعالات، وصعوبة التركيز، ومشاكل وصعوبات في النوم، إضافة إلى سهولة ترويع الشخص المُصاب.

من الممكن أن تترافق الأعراض السابقة مع بعض الاضطرابات النفسيّة أو المشاكل الجسديّة لدى مُصابي اضطراب ما بعد الصدمة، مثل: الاكتئاب، الرُهاب، تعاطي المخدرات أو العقاقير والإدمان عليها والقلق، إضافة إلى: الصداع، آلام في الصدر أو المعدة، الصداع.

علاج اضطراب ما بعد الصدمة

يعتمد الاختصاصي النفسي على بعض الحلول العلاجيّة في سَعيه لتخليص المريض من حالة الاضطراب التي يعاني منها بعد الصدمة، من الخيارات العلاجيّة لعلاج اضطراب ما بعد الصدمة:[7][8]

  • العلاج النفسي، وهو يشمل عدّة وسائل علاجيّة، إذ يُعد العلاج السلوكي المعرفي أحَدها، يعتمد اختصاصي الطب النفسي في هذا النوع من العلاجات على محاولة تغيير أنماط الأفكار السلبيّة التي تحتل عقل المُصاب وتجعله حبيس الذكريات والأحداث السابقة، ربما يتبِع الطبيب النفسي أيضًا العلاج بالمواجهة؛ وذلك من خلال تعريض الشخص لبعض وقائع التجربة التي سبق وأن مرّ بها مع الحرص على توفير بيئة آمنة له أثناء ذلك، بُغية مُساعدته في التخلُّص من الأعراض المزعجة وتخفيف تأثير وَقع الحادثة عليه.
  • العلاج الدوائي: قد تفِي مضادّات الاكتئاب أو مضادّات القلق بالغرض برفقة العلاج النفسي أو لوحدها، وفقًا لِما يُقرّره الاختصاصي بعد تشخيص الحالة.
  • تدريب الشخص على تمارين ذهنيّة تُساعده على التحكُّم بالمشاعر السلبيّة والأعراض المُزعجة التي تسلبه القدرة على مُعايشة الواقع، وتُبقيه في حالةٍ من التذكُّر الدائم لأحداث الواقعه التي تسبَّبت بالصدمة النفسيّة له، من التمارين الذهنيّة التي قد يكون لها أثر إيجابي في تحسين الحالة: التأمُّل الواعي والتهدئة الذاتية (Self-soothing).

المراجع

  1. American Psychiatric Association. 2020. What is posttraumatic stress disorder? Retrieved from https://www.psychiatry.org/patients-families/ptsd/what-is-ptsd
  2. Kessler R. 2017. Trauma and PTSD in the WHO world mental health surveys. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC5632781/
  3. Smith M. 2020. Posttraumatic Stress Disorder (PTSD). Retrieved from https://www.webmd.com/mental-health/post-traumatic-stress-disorder#1
  4. Post-traumatic Stress Disorder (PTSD) and complex PTSD. 2021. Retrieved from https://www.mind.org.uk/information-support/types-of-mental-health-problems/post-traumatic-stress-disorder-ptsd-and-complex-ptsd/causes/
  5. National Institute of Mental Health. 2019. Post-Traumatic Stress Disorder. Retrieved from https://www.nimh.nih.gov/health/topics/post-traumatic-stress-disorder-ptsd/index.shtml
  6. United Kingdom National Health Services. 2018. Post-traumatic stress disorder (PTSD): Symptoms. Retrieved from https://www.nhs.uk/conditions/post-traumatic-stress-disorder-ptsd/symptoms/
  7. National Alliance on Mental Illness. 2017. Posttraumatic Stress Disorder. Retrieved from https://www.nami.org/About-Mental-Illness/Mental-Health-Conditions/Posttraumatic-Stress-Disorder
  8. Donohue M. 2019. Post-Traumatic Stress Disorder (PTSD). Retrieved from https://www.healthline.com/health/post-traumatic-stress-disorder

مصدر الصورة: https://health.clevelandclinic.org/living-with-ptsd-how-to-manage-anxiety-and-flashbacks/

كتابة: . ليلى الجندي - الإثنين ، 25 نيسان 2022

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية

تكلم مع استشاري نفسي أونلاين عبر طبكان
احجز