اضطراب طيف التوحد: التشخيص والعلاج

طيف التوحد من الاضطرابات التي قد تصيب الأطفال خلال سنين عُمرهم الأُولى، تتمثّل بتكرار سلوكات معينة وفقدان الرغبة والقدرة على التواصل مع الآخرين من العائلة أو غيرها وغيرها من الأعراض، ينشأ اضطراب طيف التوحد نتيجة طفرات جينية ربمّا أو لعوامل بيئية، أمّا علاجه فهو غير مُتاح إنمّا يلجأ الطبيب النفسي لتعليم الطفل مهارات سلوكية ومعرفية تُمكّنه من استعادة قدرته على التواصل.

يشهد العالم في السنوات الأخيرة ازديادًا ملحوظًا بمعدل انتشار الأمراض النفسيّة عمومًا، إذ إنّ زيادة الوعي بخطورة الاضطرابات النفسيّة إلى جانب تطوُّر الأدوات التشخيصيّة لدى اختصاصيي الطب النفسي ساهمت كثيرًا بزيادة مستوى الكشف عن هذه الأمراض ومحاولة السيطرة عليها، ويُعدّ مرض التوُّحد أحَد الاضطرابات النفسيّة الشائعة حول العالم، إذ إنّ تقارير منظمة الصحة العالميّة خلال الخمسين سنة الفائتة كشفت عن ازديادٍ مُضطّرد في تِعداد الأشخاص المُصابين باضطراب التوُّحد، إذ كشفت عن إصابة طفل واحد بالتوحد بين كل 160 طفلًا حول العالم، وعلى الرغم من شُيوعه بمعدل أعلى بين الأطفال إلّا أنّه قد يُشخَّص لدى مختلف الفئات العمريّة.

ويُعرّف اضطراب التوّحد أو ما اتُفّق على تسميته بــِ "طيف التوحد" بأنّه مجموعة من الاضطرابات النفسيّة التي تختلف في حدّتها تِبعًا للأعراض المختلفة التي تؤثّر في قدرات المريض الاجتماعيّة، إضافة إلى بعض الأعراض الأُخرى التي تندرج جميعًا تحت مِظلَة التوحُّد، إذ يُعاني مريض التوحد من صعوباتٍ في التواصل مع مَن هُم حوله إضافة إلى انحسار اهتماماته بنوعٍ مُحدّد من الأشياء أو النشاطات ممّا يؤثّر في طريقة تعامل الأشخاص المُحيطين به معه، وهو غالبًا ما يُشخَّص خلال السنة الأُولى أو الثانية من عُمر الطفل، إلّا أنّه يستمر ليُلازمه وصولًا للمُراهقة والبلوغ، ويكون ملحوظًا بنسبةٍ أعلى خلال الخمس سنوات الأُولى.

طيف التوحد من الأمراض النفسيّة المُزمنة التي تُلازم المريض لفترةٍ طويلة، وعلى الرغم من أنّ الشفاء التام منه قد يكون غير ممكنًا، إلّا أنّه تتوافر العديد من الخِيارات العلاجيّة التي تستهدف السيطرة على الأعراض وتحسين قدرة المريض على استعادة جزء من قدرته على التواصل واستعمال الأدوات الفكريّة لديه.

أعراض اضطراب طيف التوحد

يُعاني مَرضى التوحد من مجموعة من الأعراض والصعوبات التي تظهر عليهم مُدلّلةً إصابتهم بطيف التوحد، مثل:

الأعراض الأكثر شُيوعًا لدى مرضى التوحد كافّة:

  • صعوبات في التواصل الإجتماعي مع العائلة والأصدقاء، إلى جانب عدم قدرة المريض على التعبير عن احتياجاته ورغباته.
  • تِكرار بعض الأفعال والسُلوكات عدد من المرّات المُتواصلة.
  • انحسار اهتمامات المريض بنشاط أو موضوع معيّن دون غيره، مثلًا قد يَنصبّ اهتمام البعض بالأرقام دون غيرها، بينما يتوّجه اهتمام البعض الآخر للتفاصيل،... وهكذا.

أمّا بعض الأعراض فقد تظهر على معظم مرضى التوحد لكن ليس جميعهم:

  • تجنُّب التواصل البصري مع الأشخاص.
  • إبداء ردود فعل غير اعتياديّة نحو بعض الأشياء أو الأحداث المُحيطة.
  • صعوبة التكيُّف مع التغيُّرات التي قد تحدُث حوله.
  • المَيل لعدم مشاركة الأقارب أو الأصدقاء أي من دواعي البهجة والسرور بأحداث حياته.
  • عدم الاستجابة لأي محاولات لَفت الانتباه التي قد تستهدفه ممّن هُم حوله.
  • قد يميل للحديث عن موضوع معيّن ذات أهميّة بالنسبة له دون أن يُلقي بالًا فيما إذا كان من اهتمامات المُستمع له، حتى دون إعطائه الفرصة لإبداء رأيه.
  • نبرة صوت غير اعتياديّة، كأن تُماثل طريقة الروبوت أو غير ذلك.
  • حساسيّة مُفرطة تِجاه بعض الأشياء المُحيطة مثل: الضوء، أو الضوضاء، أو درجات الحرارة وغير ذلك، وربمّا قد لا يُبدي أيّ انزعاج تِجاه أيٍّ منها لدى بعض الحالات الأُخرى.
  • مواجهة مشاكل وصعوبات في النوم.

على الصعيد الآخر، قد يمتلك بعض مرضى التوحد بعض المواصفات الإيجابيّة التي قد تجعلهم ذو قدرات مميّزة يُشار لها بالبَنان، فمثلًا يمكن أن يمتلك الواحد منهم ذاكرة بصريّة أو سمعيّة قوية تُمكّنه من التعلُّم بسرعة تفوق أقرانه، أو قد يكون ذو مهارات فائقة عن العادة في مجال العلوم، أو الرياضيات، أو الفن.

أسباب اضطراب طيف التوحد

لا تزال الأسباب الرئيسيّة المسؤولة عن طيف التوحد غير معروفة على وجه الدقّة، إلّا أنّ معظم الدراسات والأبحاث تُشير إلى وجود رابط بين العوامل الجينيّة والبيئيّة وطيف التوحد، ففي بعض الحالات قد تحدث طفرات معيّنة على جينات متعدّدة تتسبّب بارتفاع معدل الإصابة بطيف التوحد، وفي حالاتٍ أُخرى قد يكون السبب وراثيًا، يُذكَر بأنّ طيف التوحد قد يرتبط مع بعض الأمراض الجينيّة لدى البعض مثل: مُتلازمة ريت ومتلازمة الكروموسوم x الهشّ.

أمّا فيما يتعلّق بالعوامل البيئيّة، فيُمكن لعددٍ من المؤثرّات المُحيطة أن تتسبّب بالإصابة بطيف التوحد، مثل بعض أنواع العدوى الفيروسيّة، أو تناول بعض أنواع الأدوية، أو تلوُّث الهواء، أو بسبب سلسلة من المُضاعفات أثناء وجود الجنين في رحِم أُمّه.

تشخيص اضطراب طيف التوحد

يعتمد تشخيص اضطراب طيف التوحد على مجموعة من الفحوصات والتقييمات النفسيّة والاجتماعيّة متبوعة بمراقبة الأنماط السُلوكيّة التي يتبعها الطفل لفترة معيّنة، لكن قد يخشى بعض اختصاصيي الطب النفسي سُرعة تأكيد الإصابة بطيف التوحد، ممّا يضطرّهم للتأنّي والتحقُّق الدقيق من سُلوكيّات الطفل، وهو ما يؤدّي إلى استنزاف الوقت إلى حين التشخيص النهائي، وذلك يتسبّب بتأخُّر العلاج بالطبع، لذلك غالبًا ما يُنصَح بمراجعة اختصاصيي الطب النفسي المُتخصّصين بمرض التوحد ذوي الخبرة والمهارة العالية للبدء بالعلاج بمرحلة مبكّرة من المرض ما قد يُعزّز من فرص الشفاء والتحسُّن.

تضُم مراحل تشخيص طيف التوحد:

  1. لقاء العائلة مع الطبيب النفسي وإطلاعه على كافّة التفاصيل المُتعلّقة بالطفل المُصاب بالتوحد، بما في ذلك التاريخ الطبّي والنفسي العائلي.
  2. إجراء مجموعة من الفحوصات الطبيّة، للتحقُّق من صحة المريض الجسديّة واستبعاد بعض الاختلالات الصحيّة التي قد تكون سببًا في بعض الأعراض المُشابهة لاضطراب التوحد، مثل: الفحوصات المخبريّة (فحص الدم، ...إلخ)، والفحص الجسدي العام، والفحوصات الجينيّة، والفحص العصبي.
  3. الكشف عن صحّة الأُذن وحاسّة السمع عبر سلسلة الفحوصات الخاصّة بهذا الشأن، إذ إنّ إصابة الطفل ببعض المشاكل السمعيّة قد يؤدّي إلى انخفاض قدرته على التواصل مع مَن حوله.
  4. فحص مستوى الرصاص في الجسم؛ إذ إنّ التسمُّم بالرصاص قد يتسبّب ببعض الاختلالات العقليّة والنفسيّة والسُلوكيّة ما قد يتشابه مع بعض أعراض التوحد، لِذا يُفضّل بعض الاختصاصيين إجراء مثل هذا الفحص قبل التشخيص النهائي خصوصًا في حال توافرت الظروف البيئيّة التي تُرجّح احتماليّة تسمّم الطفل بالرصاص.
  5. الخضوع لمجموعة أُخرى من الفحوصات النفسيّة والاجتماعيّة، مثل: تقييم مستوى وحالة النُطُق، اختبار مَعرفي لتقييم القدرات العقليّة، تقييم القدرات الحَرَكيّة، إضافة إلى تقييم مستوى التفاعل الاجتماعي والقدرة على استخدام ما يملك من مهارات للتعامل مع مختلف المواقف.

يخضع الطفل لسلسلة من الفحوصات والتقييمات بإشراف مجموعة من الخبراء والاختصاصيين كلٌ في مجاله، وذلك قبل إقرار التشخيص النهائي باضطراب طيف التوحد، وتُنتقَى الفحوصات اللازمة وَفق رؤية الاختصاصي النفسي المسؤول وتِبعًا للحالة بين يديه.

علاج اضطراب طيف التوحد

يعتمد اختصاصيي الطب النفسي على مجموعة من الخيارات العلاجيّة والنفسيّة التي تستهدف تطوير مهارات التواصل والتعلُّم لدى المريض، إلى جانب إجراء تغييرات إيجابيّة على سلوكه. وعلى الرغم من عدم توافر علاج شافٍ وتام من التوحد إلّا أنّ البدء بالعلاج في مرحلة مبكّرة من عُمر المريض يُسهِم كثيرًا في رفع معدّل التحسُّن، إذ يعتمد الاختصاصيين ذوي الخبرة على مجموعة من الأساليب العلاجيّة التي من شأنها أن تُخفّف على المريض وعائلته عواقب التوحد وآثاره السلبيّة.

يلجأ الاختصاصي النفسي لاعتماد برنامج علاجي معيّن حسب ما تقتضيه الحالة، إذ إنّ نوع البرنامج العلاجي المُتبع قد يكون فعّالًا في حالة وغير فعّال في حالةٍ أُخرى، لِذا دائمًا ما يُنصَح الوالدين بضرورة إشراك الاختصاصي النفسي بتفاصيل وحيثيّات حالة طفلهم لمساعدته في وضع الخطوط الرئيسيّة للعلاج الأنسب وتنمية قدرات ومهارات الطفل بما يختزل نسبة الضرر المُتوّقعة مستقبلًا بمعدل عالِ.

أمّا البرنامج العلاجي، فإنّه من الممكن تصنيف ما يتضمنّه ليضُم:

  • العلاج الدوائي: يمكن أن يضطّر اختصاصي الطب النفسي لوصف بعض الأدوية لعلاج بعض الأعراض المُرافقة لاضطراب طيف التوحد، مثل الأدوية التي تستهدف كل من: الاكتئاب والقلق، والعدوانيّة، وفرط النشاط، ومشكلة تكرار بعض السُلوكات بكثرة.
  • العلاج السلوكي والنفسي: بعد تشخيص مريض التوحد ومعرفة أهمّ الاختلالات النفسيّة التي يُعاني منها، يُجَّه نحو برنامج علاجي نفسي يستهدف تطوير مهاراته في التواصل مع الآخرين وتقوية اعتماديّته على ذاته، وتحسين سُلوكه عمومًا.

المراجع

  1. World Health Organization. (2022). Autism. Retrieved 4 January 2022 from https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/autism-spectrum-disorders
  2. National Institute of Mental Health. (2022). Autism spectrum disorder. Retrieved 4 January 2022 from https://www.nimh.nih.gov/health/topics/autism-spectrum-disorders-asd
  3. National Autistic Society. (n.d.). What is autism? Retrieved 4 January 2022 from https://www.autism.org.uk/advice-and-guidance/what-is-autism
  4. Dover CJ, Le Couteur A. How to diagnose autism. Arch Dis Child. 2007 Jun;92(6):540-5. https://doi.org/10.1136%2Fadc.2005.086280
  5. Centers for Disease Control and Prevention. (2022, December 9). What is ASD? Retrieved 4 January 2022 from https://www.cdc.gov/ncbddd/autism/facts.html
  6. Nall, R. (2021, January 4). What to know about autism? Retrieved 4 January 2022 from https://www.medicalnewstoday.com/articles/323758
  7. Mayo Clinic. (2018, January 6). Autism spectrum disorder. Retrieved 4 January 2022 from https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/autism-spectrum-disorder/symptoms-causes/syc-20352928
  8. Warniment C, Tsang K, Galazka SS. Lead poisoning in children. Am Fam Physician. 2010 Mar 15;81(6):751-7. https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/20229974/
  9. Help Guide. (2022, December 6). Autism spectrum disorder. Retrieved 4 January 2022 from https://www.helpguide.org/articles/autism-learning-disabilities/autism-spectrum-disorders.htm

كتابة: . ليلى الجندي - الإثنين ، 25 نيسان 2022
آخر تعديل - الأربعاء ، 08 آذار 2023

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية

اطلب عرض سعر لعلاج التوحد من أفضل الاستشاريين
اطلب عرض سعر