اضطراب ثنائي القطب: التشخيص ووسائل العلاج

يتأرجح مزاج المريض باضطراب ثنائي القطب بين الهوس والاكتئاب، تتولّد لدى المريض مجموعة من الأعراض المرافقة التي قد يكون بعضها مزعجًا أثناء النوبات المتتالية من الاكتئاب والهوس، يمكن أن يكون للعوامل الجينية دورٌ في إصابة البعض باضطراب ثنائي القطب، إلّا أنّ هناك أسبابًا أُخرى لا زالت غيرمعروفة، يمكن اللجوء للعلاج النفسي بإشراف طبيب مُختص للسيطرة على الأعراض.

يندرج اضطراب ثنائي القطب في قائمة الأمراض النفسيّة والعقليّة المُزمنة، إذ يُوصَف بهذا الاسم نظرًا لقدرته على التأثير في المِزاج لينتقل المريض بين قُطبين مُتضادّين من الانفعالات العاطفيّة، ويتأرجح بين نوباتٍ من الهَوَس (طاقة عالية وثقة مُفرطة، ...إلخ) والاكتئاب خلال فتراتٍ زمنيّة اتُفّق على أنها تُقارب 7 أيام متواصلة، وعلى الرغم من أنّ أسبابه ما زالت غير واضحة تمامًا إلّا أنّ معظم البُحوث تُشير إلى أنّ للعامل الوراثي أو الجيني وبعض التغييرات الكيميائيّة في الدماغ دورٌ كبير في إصابة البعض باضطراب ثنائي القطب، إلى جانب العديد من العوامل والمُسبّبات الأُخرى.

تُشير إحصائيّات منظمة الصحة العالميّة التي نُشرِت مؤخرًا في أواخر العام المُنصرِم إلى أنّ تأثير اضطراب ثنائي القُطب شَمِل ما يُقارب 45 مليون شخصًا حول العالم، ما يعني الحاجة لمزيدٍ من ابحث المُوجّه نحو مُسبّبات وطرق علاج هذا الاضطراب، إذ إنّ نوبات الهوس المفرط والهَوَس الخفيف والاكتئاب التي يمرّ بها المريض قد تجعل منه شخصًا مؤذيًا لِمَن هُم حوله، إلى جانب احتماليّة تسبُّبه بالأذى لنفسه.

وفيما يتعلّق بالعلاج من اضطراب ثنائي القطب، فإنّ عددًا من الحلول العلاجيّة باتت تُقدّم فُرصًا ذات نِسَب نجاح عاليّة للمرضى المُصابين بهذا الاضطراب، ويُعد "الليثيوم" أحَد أكثر الأدوية المُستخدمة لعلاج اضطراب ثنائي القطب، إذ يقع ضمن فئة مُثبّتات المزاج التي تشتمل على العديد من الأنواع الأُخرى، إلى جانب العلاجات النفسيّة، وغير ذلك من الحلول العلاجيّة التي قد تساعد المريض في تخطّي اضطراب ثنائي القطب وما ينجُم عنه من آثارٍ سلبية.

أعراض اضطراب ثنائي القطب وأنواعه

يتضمّن اضطراب ثنائي القطب أنواعًا مُتعدّدة تِبعًا للأعراض المُرافقة:

  1. اضطراب ثنائي القطب من النوع الأول: يتعرّض المريض عند الإصابة بهذا النوع لنوباتٍ حادّة من اضطراب المِزاج، فتتأرجح بين الهَوَس الذي قد يستمر لِما يُقارب 7 أيام على الأقل وبين الاكتئاب الذي قد يدوم لِ 14 يومًا.
  2. اضطراب ثنائي القطب من النوع الثاني: يُعدّ هذا النوع أقل حدّة من النوع الأول، فيتعرّض المريض لنوباتٍ مُتتالية من الهَوس الخفيف والاكتئاب.
  3. اضطراب ثنائي القطب الدَوري: يتقلّب مزاج المريض بهذا النوع بين فتراتٍ من الهَوَس الخفيف وأُخرى من الاكتئاب، قد تستمر لِما يُقارب السنتين.

يشعر مريض اضطراب ثنائي القطب بمجموعة من الأعراض تختلف حسب نوبة المزاج التي يمر بها، سواءً كانت هَوَسًا أو اكتئابًا، ويمكن تقسيمها وفقًا لذلك:

الأعراض المرافقة لنوبة الهَوَس أو الهَوَس الخفيف: يغلُب على المريض أثناء هذه الفترة شعوره بهَوَسٍ مُفرط أو خفيف، ممّا يؤثّر فيه بطريقة سلبيّة أحيانًا، وتضُم الأعراض الأُخرى:

  • الشعور بالإثارة والسعادة المُفرطة.
  • الشعور بالقدرة على فعل مجموعة من الأعمال سويًا، إضافة إلى الاعتقاد بالقوة والقدرة على فعل أيّ شيءٍ مهما كان.
  • الشعور بانسياب الأفكار بسرعة شديدة، مصحوبًا بوتيرة سريعة في الكلام ممّا قد يُصعّب فهم أو استيعاب ما يُقال من المريض.
  • الشعور بثقة مُفرطة في الذات قد ينجُم عنها أحيانًا ما يُعرَف بــِ "جنون العظمة".
  • الرغبة في خَوض المغامرات أو الانخراط في الأعمال الخطِرة.
  • فقدان الشهيّة للطعام وانخفاض الحاجة للنوم.

الأعراض المُرافقة لنوبة الاكتئاب:

  • الشعور الشديد بالحزن واليأس.
  • ارتفاع وتيرة مشاعر القلق تِجاه أبسط الأشياء وأصغرها.
  • فقدان الشهيّة للطعام أو ربمّا ازديادها، ممّا ينجُم عنه إمّا انخفاض الوزن أو زيادته.
  • الشعور بالتعب والإرهاق.
  • اللامبالاة واللامسؤوليّة تِجاه المهام والواجبات في المدرسة أو العمل.
  • فقدان الاهتمام بالأحداث والأشياء، إلى جانب غياب الشعور بالبهجة حِيال أيّ شيء.
  • نسيان كثيرٍ من الأحداث والأشياء.
  • الأرق.
  • المَيل للحديث ببطء.
  • سهولة الانزعاج من الأصوات أو الروائح، أو غير ذلك ممّا يمكن تحمُّله في الحالات الطبيعيّة.
  • الشعور بأفكارٍ انتحاريّة.

أسباب اضطراب ثنائي القطب

تقف مجموعة من العوامل والمُسبّبات وراء الإصابة باضطراب ثنائي القطب، لكنّ المُسبّب الرئيسي والمُباشر لهذا الاضطراب ما زال مجهولًا ويتطلّب العديد من البحوث لمعرفته على وجه الدقّة، يُرجّح الخبراء والباحثين مجموعة من العوامل التي ترتبط بالإصابة باضطراب ثنائي القطب بمعدلٍ أعلى من غيرها:

  • العوامل الوراثيّة أو الجينيّة: يُعتقَد بأنّ مجموعة من الجينات تلعب دورًا رئيسيُّا بطريقة أو بأُخرى في رفع معدّل قابليّة بعض الأشخاص للإصابة باضطراب ثنائي القطب، إذ لُوحِظ بأنّ إصابة أحَد أفراد العائلة من الدرجة الأُولى باضطراب ثنائي القطب قد يُعزّز إمكانيّة معاناة بعض الأفراد من ذات الاضطراب.
  • تغيير في تركيبة أو كيميائيّة الدماغ: يسود اعتقادٌ كبير بأنّ بعض التغييرات غير الطبيعيّة في كيميائيّة الدماغ قد تكون السبب الأبرز وراء حدوث اضطراب ثنائي القطب، فقد لُوحِظ اختلاف مستويات بعض الناقلات العصبيّة المسؤولة عن بعض وظائف الدماغ لدى مُصابي اضطراب ثنائي القطب، فمثلًا تنخفض مستويات "نورأدرينالين" كثيرًا أثناء نوبات الاكتئاب، بينما ترتفع كثيرًا أثناء نوبات الهَوَس، إضافة إلى أنّ تشخيص المرضى باضطراب ثنائي القطب سَبق وترافق مع ملاحظة اختلاف تركيبة الدماغ لديهم عمّا هي عليه لدى غير المُصابين.

يمكن أيضًا أن تُحفّز مجموعة من العوامل الأُخرى الإصابة باضطراب ثنائي القطب، مثل: الإصابة بمرضٍ ما، أو التعرُّض لصدمة نفسيّة أو عاطفيّة بالانفصال عن شريك الحياة أو وفاة أحد المُقرّبين، وغير ذلك من المشاكل الحياتيّة اليوميّة.

تشخيص اضطراب ثنائي القطب

يعتمد تشخيص إصابة الشخص باضطراب ثنائي القطب على عدّة خطوات يتّبعها الطبيب النفسي مع المَرضى لتأكيد الإصابة من عدمها، من أبرز الفحوصات التي يُجريها أو يطلبها الاختصاصي:

  • الفحص السريري للمريض.
  • فحوصات الدم والبَول، للتحقُّق من عدم إصابة المريض بأيّ من الأمراض أو الحالات التي قد تكون سببًا في تقلُّب المزاج، مثل: قصور الغدّة الدرقيّة أو تعاطي المخدّرات.
  • تقييم الحالة النفسيّة من خلال استماع الاختصاصي النفسي للمريض؛ إذ يُطلَب من المريض وَصف طبيعة ما يشعر به عند تقلُّب المِزاج مع تحديد أوقات هذه النوبات ومدى استمراريتها في كل مرّة.

علاج اضطراب ثنائي القطب

يُعدّ اضطراب ثُنائي القطب من الأمراض النفسيّة القابلة للعلاج خصوصًا في حال التزام المريض بالبرنامج العلاجي المُوصَى به من الاختصاصي النفسي المسؤول عنه، وتتأرجح الخيارات العلاجيّة بين الدوائيّة والعلاج النفسي تزامنًا مع الأدوية أيضًا، نظرًا لاختلاف استجابة المرضى لأنواع العلاج، إذ إنّ اعتماد نوعٍ معيّن من الأدوية قد يأخذ وقتًا أحيانًا حسب حالة المريض.

يعتمد اختصاصيي الطب النفسي في حالات اضطراب ثنائي القطب على "مُثبّتات المزاج"، أكثرها شيوعًا كاربامازيباين، أو الليثيوم أو لاموترايجاين، مصحوبة أحيانًا بالأدوية المُضادّة للتشنجات أو المُضادّة للذُهان، لكن قد يلجأ الاختصاصيين لعلاج اضطراب ثنائي القطب في بعض الحالات عبر الصدمات الكهربائيّة المُسلّطة على فروة الرأس تحت تأثير المخدّر العام، إذ إنّ المريض في هذه الحالة لا يُبدي أيّ استجابة سواءً للعلاجات الدوائيّة أو العلاج النفسي، لِذا يقع الاختيار على هذا الخِيار.

أمّا العلاج النفسي فيشتمل على مجموعة من الخِيارات التي يتبعها اختصاصي الطب النفسي حسب الحالة بين يديه، إذ إنّ أحد هذه الخيارات هو العلاج السلوكي المعرفي من خلال معرفة طبيعة ما يُفكّر به المريض وفهم حيثيّات نفسيّة واجتماعيّة مختلفة تُساعده في علاج المريض، أيضًا يلعب التثقيف النفسي وتنظيم الإيقاع بين حياة المريض الشخصيّة والاجتماعيّة دورًا مهمًّا في انتشال المريض من حالة الاضطراب النفسي الناجم عن ثنائي القطب.

تجدر الإشارة إلى أنّ اضطراب ثُنائي القطب يتضمّن تناول العلاجات لفترة محدّدة إمّا لتجنُّب النوبات المزاجيّة المُتقلّبة أو للتخفيف من حدّة الأعراض، وغالبًا يشعر المريض بتحسُّن بعد 3 أشهر تقريبًا، قد يحتاج أحيانًا لتناول دواء وقائي بعد التعافي نظرًا لارتفاع احتماليّة عودة الاضطراب مرة أُخرى، كما يُنصَح المريض بإجراء بعض التغييرات على نظام حياته اليومي كأن يلتزم ببعض العادات الجديدة مثل ممارسة التمارين الرياضيّة بانتظام وتحسين نوع الطعام والحصول على قَدَر كافِ من النوم، ممّا قد يُحسّن مِزاج المريض ويجعله أكثر إيجابيّة تِجاه المواقف التي قد يتعرّض لها.

لا يتطلّب علاج اضطراب ثنائي القطب بقاء المريض في المستشفى إلّا في بعض الحالات الشديدة التي قد تتضمّن إيذاء المريض لنفسه، عندها قد يبقى تحت المراقبة إلى حين تناوله كامل دوائه لمدة ليلة واحدة، من ثمّ يستطيع المغادرة بعد تحسُّن حالته.

المراجع

  1. World Health Organization. (2022, June 8). Mental disorders. Retrieved 4 January 2022 from https://www.who.int/en/news-room/fact-sheets/detail/mental-disorders
  2. UK National Health Services. (2019-a). Treatment-bipolar disorder. Retrieved 4 January 2022 from https://www.nhs.uk/mental-health/conditions/bipolar-disorder/treatment/
  3. National Institute of Mental Health. (2022). Bipolar disorder. Retrieved 4 January 2022 from https://www.nimh.nih.gov/health/topics/bipolar-disorder
  4. Newman, T. (2020, July 21). What to know about bipolar disorder. Retrieved 4 January 2022 from https://www.medicalnewstoday.com/articles/37010
  5. UK National Health Services. (2019-b). Causes-bipolar disorder. Retrieved 4 January 2022 from https://www.nhs.uk/mental-health/conditions/bipolar-disorder/causes/
  6. Bipolar disorder. (2022, August 12). Retrieved 4 January 2022 from https://www.webmd.com/bipolar-disorder/mental-health-bipolar-disorder#2-4
  7. Holland K. and Raypole C. (2021, November 29). Everything you need to know about bipolar disorder. Retrieved 4 January 2022 from https://www.healthline.com/health/bipolar-disorder#symptoms-test
  8. American Psychiatric Association. (2021). What are bipolar disorders? Retrieved 4 January 2022 from https://www.psychiatry.org/patients-families/bipolar-disorders/what-are-bipolar-disorders

كتابة: . ليلى الجندي - الإثنين ، 25 نيسان 2022
آخر تعديل - الأربعاء ، 08 آذار 2023

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية

اطلب عرض سعر لعلاج اضطراب ثنائي القطب من أفضل الاستشاريين
اطلب عرض سعر