فوائد الصيام وأسرار قوة تأثيره على الصحة، موّثقة بالأبحاث العلميّة

يتمتّع شهر رمضان بمكانةٍ خاصة في نفوس المسلمين عندما يحُل ضيفًا عزيزًا على قلوبهم كُل عام، فهو إلى جانب قيمته الروحيّة يُعيد للجسم جُزءًا من صحّته المهدورة بين وجبات الطعام المُختلفة طيلة أشهر السنة، فيُعطي الصيام للجسم فُسحةً يستعيد معها معظم نشاطه عبر سلسلة من الأفعال التي تُعزّز وظائف معظم الأعضاء بداخله.

ولمّا كان الصيام ذو أثرٍ ملحوظ على الصحّة، توّجهت الكثير من الدراسات والأبحاث صَوبه للتحقُّق من ماهيّة ما يفعل في الجسم، ومحاولة معرفة استجابة الجسم الدقيقة للانقطاع عن الطعام لفترة تُجاوز الإثنا عشَر ساعة غالبًا، وقد استطاع الكثير من الباحثين تسجيل ونشر ما توّصلوا إليه لتعُجّ صفحات الشبكات الإلكترونيّة بالكثير من النصائح التي بُنِيت على ما تمّ التوصل إليه من عِلم.

فوائد الصيام

يُعدّ الصيام كنزًا صحيّا يعود بالنفع الوفير على الجسم ككُل، فهو ينعكس بشكلٍ فعّال على كُل من الآتية:

  • يُقوّي جهاز المناعة: فهو يُعزّز من وظائف الخلايا التائيّة، يُقلّل من معدّل الالتهابات في الجسم، ويمكن أن يُؤثّر على التفاعلات المناعيّة للمناعة الخَلطيّة (وهي عبارة عن استجابة مناعيّة يتّم من خلالها إنتاج الأجسام المُضادّة عن طريق الخلايا البائيّة التي تقوم بدورها بتدمير الكائنات الدقيقة (الميكروبات) التي تقبع خارج الخلايا).
  • يُحسّن من وظائف الدماغ بصورة عامّة ويُقلّل من معدّل الإصابة بالأمراض العقليّة والنفسيّة، فهو يُحسّن من المِزاج ويُضفي شعورًا بالسعادة على الصائم عن الطعام؛ وذلك من خلال تحفيزه لإنتاج عامل التغذية العصبيّة المعروف باسم (Brain-Derived Neurotrophic Factor BDNF) الذي يرتبط مع صحّة الدماغ والمِزاج الإيجابي وفقًا لِما توّصل إليه اختصاصي الأعصاب مارك ماتسون.
  • تقليل معدل الإصابة بالسرطان من خلال زيادة عمليات الالتهام الذاتي بالجسم (Autophagy)؛ وهي عبارة عن عمليّة يقوم بها الجسم لالتهام الخلايا الضارّة أو التالفة وإعادة الاستفادة ممّا تحتويه من معادن ومياه وغير ذلك، بمعنى تنظيف الجسم ذاتيًا؛ لتعويض النقص الناجم عن الامتناع عن الطعام بالتالي تخليص الجسم من السموم والخلايا السرطانيّة والعديد من الفوائد الأُخرى، تجدُر الإشارة إلى أنّ شركات الأدوية بالتعاون مع الباحثين لا تفتأ تحاول إيجاد الطريق نحو عقارٍ يستطيع زيادة معدّل الالتهام الذاتي العصبي الذي يُقلّل بدوره من معدّل الإصابة بالعديد من الأمراض العصبيّة.
  • تقليل معدل الالتهابات في الجسم؛ إذ إنّ الصيام يزيد من مستويات الكيتونات مُمثلّةً بـــِ β-hydroxybutyrate، والتي يلجأ لها الجسم لتعويض نقص مصادر الطاقة التي يحصل عليها، ممّا يزيد من التأثير المُضاد للالتهابات في الجسم ويُعزّز المناعة بالضرورة.
  • يُساعد في تخفيض وزن الجسم؛ وذلك من خلال المُساعدة على حرق الدهون المُتراكمة في الجسم، إذ إنّ تخطّي الجسم لِما يُقارب 12 ساعة من الصيام يُوجَه لاستهلاك الجلايكوجين المُختَزن داخل الكبد، وبعد نفاذ هذا المخزون يبدأ بحرق الدهون بالتالي يُساعد في خفض الوزن بنسبة كبيرة، وقد حاز الصيام شعبية واسعة في الآونة الأخيرة نتيجة قدرته على تقليل كتلة الجسم بطريقة صحيّة وقد كان في المرتبة الثامنة عام 2018 ضمن قائمة البحث على جوجل في أمريكا.

إضافة إلى أنّ حرق الدهون الناجم عن الصيام يُساعد في ضبط معدل هرمون اللبتين Leptin (وهو هرمون الشَبَع الذي يتولّى مهمّة إيصال رسالة للدماغ مَفادها عدم الحاجة للأكل لاستطاعة الجسم حرق السُعرات الحراريّة بمعدل طبيعي) بالتالي تنضبط الشهيّة للطعام ويبدأ الوزن بالانضباط أيضًا.

  • تجنُّب أمراض السكري، الكبد والبنكرياس، وقد قام العديد من الباحثين بإجراء تجارب على مجموعات من الفئران عبر إعطاء مجموعة منها أطعمة على مدار الساعة، في حِين كانت تُمنَع المجموعة الأُخرى عن الطعام لساعات وتُعطَى في ساعاتٍ محدّدة نفس كميّة الطعام بمحتواها من السُعرات الحراريّة، وقد وُجِد بأنّ المجموعة التي خضعت للصيام المُتقطّع تمتّعت بصحّة أفضل وعاشت لفترة أطول، بالتالي استطاعت تحسين مستوى أداء معظم الأعضاء الحيويّة ما انعكس على صحّة ومناعة الجسم ككُل، إذ تزداد مثلًا حساسيّة الإنسولين بحيث تستطيع كميّة قليلة منه العمل بكفاءة.
  • تجنُّب أمراض الألزهايمر، الرُعاش (الباركنسون) والتصلُّب الُلويحي، فقد أسفرت النتائج لتجربة قام بها الدكتور ماتسون اختصاصي الأعصاب على مجموعة من الفئران إلى أنّ الصيام المُتقطّع قادر على تخفيض معدل الإصابة بكُل من الرُعاش، الألزهايمر والتصلُّب الُلويحي، وعلى الرغم من النتائج الواعدة والمُبشّرة إلّا أنّ تجاربًا أُخرى يجب أن تتبع هذه التجربة لكن على الإنسان.
  • انخفاض معدل الإصابة بأمراض تصلُب الشرايين، يعمل الصيام على تحسين صحّة وأداء القلب عبر تعزيز عمل الجهاز العصبي الّلاودّي.
  • زيادة هرمون النمو في الجسم، بالتالي يُعزّز بناء العضلات على حساب الدهون.

يُذكَر بأنّ الصيام المعروف لدى المُسلمين في رمضان، بدأت نتائجه الصحيّة تغزو الكثير من الدول حول العالم منذ وقتٍ ليس بالقصير، فقد اتضّحت الفوائد الجمّة لضرورة الامتناع عن الطعام لساعات معيّنة لا تقِل عن 12 ساعة، ويقول البروفيسور أندرياس مايكلسون، كبير الباحثين الألماني الذي يعمل في المركز الطبي بجامعة شاريتيه في برلين، ألمانيا في مقاله الذي نُشِر في مجلة "وول ستريت" بأنّ للصيام فوائد صحيّة كبيرة إلى جانب فوائده الروحيّة التي تُساعد في ضبط النفس ومسك زِمامها، ويُشير البروفيسور مايكلسون إلى أنّه بدأ بعلاج مَرضاه بِما بات يُعرَف لديهم بالصيام المُتقطّع، لِما في ذلك من ثِمارٍ صحيّة جمّة ساعدت مرضاه في تخطّي الكثير من العقبات المَرَضيّة خصوصًا تلك المُزمنة منها، مثل: ارتفاع ضغط الدم، السكري، أمراض الجهاز الهضمي، الروماتيزم ومُتلازمات الألَم مثل صداع الشقيقة وهشاشة العظام.

لا بُدّ لهذا الكنز الذي فُرِض علينا من الله عزّ وجّل أن يتجلّى في نفوسنا إلى جانب صحّة أجسادنا، إذ إنّ كبح النفس عمّا تشتهيه لساعات على الرغم من تواجده أمامنا طيلة الوقت ينعكس إيجابًا على النفس ويُعليها قدرًا وثقةً بنظر صاحبها ما يؤثّر على العديد من جوانب الحياة الأُخرى إرادةً واستقامة وإنجاز، إذ إنّ مَن يملُك زِمام هَواه (تِجاه الطعام أوغيره) يستطيع باقتدارٍ تحقيق ما يصبو إليه والمُساهمة في دورة عجلة الحياة بفاعليّة.

المراجع

  1. Andreas Michalsen. 2019. The fasting cure is no fad. The Wall Street Journal. Retrieved from https://www.bythepeoplemag.com/articles/the-fasting-cure-is-no-fad#top
  2. Mitchell S. et al. 2019. Daily Fasting Improves Health and Survival in Male Mice Independent of Diet Composition and Calories. Cell Metab. 8;29(1):221-228.Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/30197301
  3. Alirezaei, M. et al. 2010. Short-term fasting induces profound neuronal autophagy. Autophagy. 6(6): 702–710. Retrieved fromhttps://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3106288/
  4. Youm, YH. et al. 2015. The ketone metabolite β-hydroxybutyrate blocks NLRP3 inflammasome-mediated inflammatory disease. Nat Med. 21(3):263-9. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/25686106
  5. Jamshed, H. et al. 2019. Early Time-Restricted Feeding Improves 24-Hour Glucose Levels and Affects Markers of the Circadian Clock, Aging, and Autophagy in Humans. Nutrients. 11(6): 1234. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6627766/
  6. Hutchison, A. 2019. Time‐Restricted Feeding Improves Glucose Tolerance in Men at Risk for Type 2 Diabetes: A Randomized Crossover Trial. Obesity. 27(5). Retrieved from https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1002/oby.22449
  7. Antunes, F. et al. 2018. Autophagy and intermittent fasting: the connection for cancer therapy? Clinics (Sao Paulo). 73: e814s. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC6257056/
  8. Ho, K. et al. 1988. Fasting enhances growth hormone secretion and amplifies the complex rhythms of growth hormone secretion in man. J Clin Invest. 81(4): 968–975. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC329619/
  9. Hartman, ML. et al. 1992. Augmented growth hormone (GH) secretory burst frequency and amplitude mediate enhanced GH secretion during a two-day fast in normal men. J Clin Endocrinol Metab. 74(4):757-65. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/1548337
  10. Anton, S. et al. 2017. Flipping the Metabolic Switch: Understanding and Applying the Health Benefits of Fasting. Obesity. 26(2). Retrieved from https://onlinelibrary.wiley.com/doi/full/10.1002/oby.22065
  11. Janeway CA Jr, Travers P, Walport M, et al. 2001. The Humoral Immune Response. Immunobiology: The Immune System in Health and Disease. New York. Garland Science.
  12. Leptin and Leptin Resistance: Everything You Need to Know. (n.d). Retrieved December 4, 2010 from https://www.healthline.com/nutrition/leptin-101.

#الصيام #الالتهام الذاتي #حرق الدهون