بعد ملايين الإصابات، العلماء يحاولون الإجابة على أبرز 4 أسئلة حول كوفيد طويل الأمد

كوفيد طويل الأمد من المشكلات التي تمخّضت عنها عدوى فيروس كورونا، إذ سجّل عديد المرضى معاناتهم من مجموعة أعراض لمدة تُقارب 6 أشهر كالتعب العام في الجسم والتشوش الذهني وغيرهما، بعض الدول أوصَت بإعطاء هؤلاء المرضى عناية خاصّة وتوفير سُبُل الراحة لهم لتطويق المشكلة في مهدها.

مع انتشار الأعراض طويلة الأمد بين متعافي كوفيد-19، بدأ يحُوز هذا النطاق من البحوث اهتمامًا خاصًا لدى العلماء والمتخصّصين، بما بات يشتهر باسم كوفيد طويل الأمد (Long COVID).

كوفيد طويل الأمد رافق فئة من المتعافين بعد إصابتهم بفيروس كورونا المستجد (SARS-CoV-2)، واستمرّت أعراضه ما يقارب 6 أشهر، إذ تمثّلت هذه الأعراض بمجموعة شاعَت لدى العديد منهم، يمكن أن تتلخّص بكل من:

  1. الشعور بالإجهاد والتعب العام في الجسم.
  2. الشعور بالضِيق وعدم الراحة بعد أداء مجهودٍ ما.
  3. خلل في مستوى الإدراك (تشوُّش ذهني) والتركيز.

أهم 4 أسئلة يبحثها العلماء حول كوفيد طويل الأمد

نشرت مجلة Nature عبر موقعها الإلكتروني مقالًا يسلّط الضوء على أكثر 4 أسئلة يحاول العلماء الإجابة عنها بما يتعلّق بكوفيد طويل الأمد الذي بات يتردّد كثيرًا؛ إذ إنّ أعداد الناجين المتزايدة الذين يعانون من آثارٍ سلبيّة بسبب فيروس كورونا فرضت مجموعة من التساؤلات المهمّة التي يحتاج أصحابها لإجاباتٍ مقنعة من الاختصاصيين تتبدّد معها ضبابيّة التفاصيل.

حداثة كوفيد-19 وما تلاه من مُسميّاتٍ لم تشملها القواميس الطبيّة سابقًا، لكن ذلك لم يمنع مُرتادي عيادات الأطبّاء من طرح تساؤلاتهم وتسجيل شكواهم تجاه ما استجدّ على أجسامهم من أعراضٍ ترفض أن تفارقهم منذ تعافيهم من فيروس كورونا.

أدناه مجموعة من أبرز الأسئلة التي يرغب المرضى بمعرفة إجاباتها، متبوعةً بإجابات تحاول تفسير ما يجري حول كوفيد طويل الأمد بما توفَّر حتى الآن من معلوماتٍ لا تزال قاصرة في إيصال الصورة الكاملة.

السؤال الأول: كم عدد الأشخاص الذين يُعانون من كوفيد طويل الأمد، وما هي الفئات الأكثر عُرضة للإصابة به؟

تتوالى الدراسات المَسحيّة لتتبُّع المتعافين من كوفيد-19، وذلك في سعي العلماء للتعرُّف على حقيقة هذه المشكلة التي ما زالت غامضة في بعض جوانبها.

مؤخرًا أجرى مكتب الإحصائيّات الوطنيّة البريطاني دراسة تضمّنت تتبُّع مجموعة من الأشخاص (20,000) ممّن سبقت إصابتهم بكوفيد-19 منذ إبريل عام 2020، وجرى التحقُّق من ذلك بعد ظهور نتائجهم التي بيّنت "إيجابيّة" الفحص، وبعد عامٍ واحد من تتبُّع حالات وأعراض هؤلاء المتعافين، أصدر المكتب نتائج الدراسة التي أشارت إلى أنّ بعض أعراض كوفيد-19 لازمت ما نسبته 13.7% منهم لمدة لا تقِل عن 3 أشهر، تُعدّ هذه الدراسة أحَد أفضل البحوث التي قدّمت نتائج واعدة باستهدافها لفئة معيّنة وإخضاعها للمراقبة على مدار سنة كاملة.

تجدُر الإشارة إلى أنّ الغالبيّة العُظمى من التقارير والإحصاءات التي تعجُّ بها المجلات والمواقع الطبيّة، ترتكز جوهريًا على المعلومات التي سُجّلَت -فقط- من معاينة المرضى الذين ارتادوا المستشفيات نتيجة إصابتهم بكوفيد-19، وقد تراوحت نسبة هؤلاء المصابين بكوفيد طويل الأمد بين 32.6% إلى 87.4%، بمعنى أنّ أكثر من شخص بين كل 10 من مُصابي كوفيد-19 سيُعانون من أعراضٍ طويلة الأمد، وذلك في حال قابليّة تطبيق النتائج على الدول خارج بريطانيا.

أمّا فيما يتعلَّق بالشّق الآخر من السؤال المُثَار، حول الفئة الأكثر عُرضة للإصابة بكوفيد طويل الأمد، فإنّ الإجابة عليه ما زالت قيد البحث، إلّا أنّ ما توافر حتى الآن يمكن تلخيصه كما يظهر أدناه،

  • النّساء أكثر عُرضة من الرجال بنسبة بلغت 23% و19% على التوالي.
  • كوفيد طويل الأمد أكثر شيوعًا لدى الفئة العمريّة بين 35 إلى 49 عامًا بنسبة بلغت 25.6%.

السؤال الثاني: ما هي أسباب كوفيد طويل الأمد وآليّة حدوثه في أجساد بعض المتعافين؟

خضعت التفسيرات وراء إصابة البعض بكوفيد طويل الأمد للكثير من الفرضيات التي انطلق كل منها من نقطة ما حول الفيروس وسلوكه داخل الجسم، وفي ذات الشأن تتوالى البحوث والتجارب المَبنيّة على الفحوصات والتحليلات من المتعافين، في سبيل تحديد السبب الأدّق الذي لم يتضِّح حتى الآن.

حتى اللحظة، فإنّ العديد من الفرضيات والاحتمالات مطروحة، وهي خاضعة للرفض أو القبول لاحقًا، من أبرز الأسباب والفرضيات التي يتبنّاها بعض الباحثين في سعيهم لدراسة طبيعة ما يجري داخل أجسام متعافي كوفيد-19:

  1. الفرضية الأُولى: إمكانيّة بقاء أجزاء من الفيروس (مثل بروتيناته وغيرها) في الجسم لأشهرٍ بعد الإصابة بكوفيد، ما يتسبّب بزعزعة استقرار الجسم عمّا اعتاد عليه، بالتالي ظهور أعراض كوفيد طويل الأمد على الرغم من التعافي من العدوى نفسها.
  2. الفرضية الثانية: خروج الجهاز المناعي عن السيطرة ما يتسبّب بمهاجمته لبقيّة -أو بعض- أعضاء الجسم الأُخرى، ما وجَّه بعض الباحثين لتصنيف "كوفيد طويل الأمد" على أنّه مرض مناعي ذاتي!
  3. الفرضية الثالثة: تغيُّر مستويات "السيتوكينات" (Cytokines) في الدم، وهي التي تُنظِّم الاستجابة المناعيّة للأمراض في الأجسام، ما يشير إلى خللٍ في الجهاز المناعي، أيضًا بيّن ذات الفريق البحثي الذي اعتمد على تحليل الوضع الالتهابي في الجسم إلى أنّ اعتلالًا عصبيًا قد يكون سببًا في الأعراض التي ترافق كوفيد طويل الأمد، وذلك لاختلال مؤشرات البروتين في الجسم.
  4. الفرضية الرابعة: علّل البعض الآخر من الباحثين ظهور أعراض كوفيد طويل الأمد على أنّها نتيجة متلازمات مختلفة، وأنّها ناجمة عن مجموعة من الأنماط (طُرُز ظاهريّة) (Phenotype) السريريّة، إذ يملك كُل منها آليّة مختلفة في العمل.

السؤال الثالث: ما هي العلاقة بين كوفيد طويل الأمد والمشاكل الصحيّة التالية لبعض أنواع العدوى الأُخرى؟

تِبعًا للأعراض اللاحقة لكوفيد طويل الأمد فقد جرَت مقارنته بمتلازمة التعب المزمن من قِبَل بعض الباحثين والخبراء بكثرة مؤخرًا، وهي التي سبق أن عانى منها العديد من المرضى بعد تعافيهم من بعض أنواع العدوى، ما يشير إلى أنّ ما يشكو منه المتعافين من كوفيد طويل الأمد ليس مُستغرَبًا، كما أنّها ليست بالظاهرة التي تبرُز لأوّل مرة كما يعتقد الكثيرون.

لكن على الصعيد الآخر، ترفض فئة من المُتخصّصين مقارنة كوفيد طويل الأمد مع متلازمة التعب المزمن، مُبرّرين ذلك بعدّة نقاط، أبرزها:

  • صعوبة مقارنة متلازمة التعب المزمن مع كوفيد طويل الأمد، إذ إنّه وفي حال ثبوت إمكانيّة تفرُّع كوفيد طويل الأمد إلى متلازمات عدّة لاحقًا قد يزيد التشبيه بينهما تعقيدًا.
  • اختلاف بعض الأعراض بين الفئتين، إذ إنّ الأشخاص الذين يعانون من كوفيد طويل الأمد ظهرت عليهم أعراض صعوبة أو انقطاع النَفَس بخلاف مرضى متلازمة التعب المزمن الذين لم يشكو منه.
  • شموليّة "كوفيد طويل الأمد" وإمكانيّة أن يضُّم عديد المشاكل الصحيّة التي قد تحدث لدى المُصابين، على عكس متلازمة التعب المزمن.

لا يُعدّ استمرار الأعراض لدى المتعافين من أنواعٍ العدوى المختلفة أمرًا شائعًا، وقد ظهر ذلك جليًّا في دراسة أجراها مجموعة من الباحثين على المتعافين من عدوى بكتيريّة أو فيروسيّة، إذ تبيّن بأنّ ما نسبته 12% منهم عانَوا من أعراضٍ لازمتهم حتى 6 أشهر بعد التعافي من العدوى، وهي تقارب النسبة التي سُجِّلَت لدى مرضى كوفيد طويل الأمد، ما يُشكِّل دافعًا لدى الدراسين بمواصلة البحوث والتجارب لمعرفة الأسباب والعوامل المسؤولة عن كوفيد بأعرضه طويلة الأمد.

السؤال الرابع: ما هي طرق تقديم المساعدة للأشخاص الذين يعانون من كوفيد طويل الأمد؟

مؤخرًا، وبعدما بدأت الأنظار تتوجّه نحو الأشخاص الذين يعانون من كوفيد طويل الأمد، تعاقبت الدراسات والأبحاث التي اختبرت -وما زالت- قدرة بعض مضادّات الالتهابات ومضادّات التليُّف Anti-fibrotic التي طوّرها الخبراء للتخفيف عن المرضى، بانتظار النتائج التي يُفترَض نشرها في النصف الثاني من 2021.

في حين تركّزت أبحاثٌ أُخرى على اختبار بعض الأدوية الموجودة في الصيدليّات والمُستخدَمة فعليًا من مرضى كوفيد-19 ذوو الأعراض الطفيفة، بانتظار النتائج أيضًا، والتي سيعلَن عنها بعد التحقُّق من تأثيرها على الأعراض طويلة الأمد عقب متابعة المتعافين لمدّة 90 يومًا.

في ذات الشأن، وجّه مجموعة من الاختصاصيين من جامعة كامبريدج في بريطانيا جهدهم صَوب دراسة تستهدف تجنيب متعافي فيروس كورونا من الإصابة بكوفيد طويل الأمد؛ وذلك عبر إعطائهم نوعين من الأدوية أحَدها مضادّ للتجلطات الدمويّة والآخر مضاد للالتهابات ومراقبة تأثيرهم في صحّة هؤلاء المتعافين.

على الرغم من الجهود التي تبذلها الدول بقطاعاتها الصحيّة لاحتواء أزمة ما بعد كوفيد "كوفيد طويل الأمد" لدى المتعافين، إلّا أنّ ما هو متاحٌ من حلول يبقى محدودًا لغياب الفهم الكامل للفيروس وسلوكه والكثير ممّا يدور في فلك كوفيد-19.

دول اعترفت بكوفيد طويل الأمد ورصدت له الإمكانات المتاحة

عقب توكيد ازدياد أعداد مرضى كوفيد-19 الذين يرتادون العيادات والمراكز الصحيّة لطلب العلاج جرّاء شكواهم من أعراضٍ باتت مألوفة في المجتمعات بما تُنسَب الآن لكوفيد طويل الأمد، استجابت بعض الدول وخصّصت جزءًا من ميزانيّاتها لتقديم الرعاية المطلوبة للباحثين عن علاجٍ لآلامٍ رافقتهم بعد إصابتهم بفيروس كورونا المستجد (SARS-CoV-2).

على الجانب الآخر، يدعو الخبراء بضرورة تكاتف الجهود على كافّة الصُعُد، لعلّ أبرزها الاجتماعيّة، لدعم هؤلاء المرضى ومراعاة ظروفهم وتمكينهم من الحصول على سبُل الراحة التي تساعدهم في استعادة قدراتهم الصحيّة.

ممّا تجدر الإشارة إليه أيضًا، أنّ كوفيد طويل الأمد يحتاج لفريقٍ من الاختصاصيين بغية العناية بالمريض وتوجيهه نحو العلاج الأنسب، إذ إنّ أجزاءً كثيرة من جسم المريض تتأثّر بفيروس كورونا المستجد، ما يتسبّب بظهور ما يَقرُب من 17 عرَضًا يحتاج معها لتخصّصاتٍ مختلفة للتشخيص الأمثل.

المراجع

  1. Marshal M. 2021. The four most urgent questions about long COVID. Nature 594, 168-170. Retrieved from https://doi.org/10.1038/d41586-021-01511-z
  2. Davis H, et al. 2021. Characterization Long COVID in an international cohort: 7 months of symptoms and their impact. medRxiv. Retrieved from https://doi.org/10.1101/2020.12.24.20248802

كتابة: . ليلى الجندي - الإثنين ، 25 نيسان 2022

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية