الفطر الأسود (Black fungus): ما هو؟ وما هي أعراضه؟ وكيف ينتقل؟ وما هو علاجه؟

تكمن خطورة الفطر الأسود في قدرته على اقتحام الأوعية الدموية بعد دخوله الجسم عبر المجاري التنفسية أو جروح وتقرحات الجلد مُسبّبًا العديد من المشاكل للعضو أو الجهاز الذي تمكَّن منه، تختلف الأعراض باختلاف الجهاز أو العضو الذي يصيبه كذلك، وقد يكون ضعف المناعة الذي تسبّب به كوفيد-19 سببًا لانتشاره بين فئاتٍ معيّنة في هذه الفترة.

عدوى كوفيد-19 التي تصدّرت عناوين الأخبار في جُلّ بقاع العالم منذ عام وبضعٍ من الأشهر، باتت ترافقها -بل وتتخطّاها أحيانًا- عدوى فِطريّة تُشَاع في المجتمعات باسم الفطر الأسود (Black (Fungus، فما هو الفطر الأسود؟ وهل هو بالخطورة التي تتناقلها وسائل الأخبار والتواصل الاجتماعي؟ وما سبب انتشاره في الهند تحديدًا خلال الموجة الثانية من فيروس كورونا؟ وهل يمكن علاج الفطر الأسود والسيطرة على حالات انتشاره؟

ما هو الفطر الأسود؟

يمتلك الفطر الأسود العديد من الخواصّ التي تمتلكها الفطريات الأُخرى والتي تؤهّله للانتشار والتسبُّب ببعض الأضرار الصحيّة، وشأنه في ذلك شأن كثيرٍ من الفطريات التي تتواجد طبيعيًا في البيئة المُحيطة وتنتهز أيّ فرصة في حال هُيّئت لها، لاقتحام جسم الإنسان والتسبُّب بمشاكل صحيّة تتراوح بين الطفيفة والخطيرة.

فُطار الغشاء المخاطي (الفُطار العَفَني) (Mucormycosis) أو ما يُعرَف بالفطر الأسود عبارة عن مرض نادر وغير شائع لكنّه خطير، تُسبّبه مجموعة من أنواع العَفَن (Mold) تُعرَف باسم (Mucomycetes) من عائلة (Mucorale)، وتمتاز بقدرتها على مهاجمة واقتحام الأوعية الدمويّة في جسم الإنسان حال ولوجها له.

أكثر أنواع الفطريات العَفَنيّة المُسبّبة لمرض الفُطار العفني أو الفطر الأسود هو (Rhizopus)، وهو المسؤول عن ما يُقارب 60% من الحالات المُسجَّلة، يتبعه بالترتيب كُل من Apophysomyces ثمّ .Lichtheimia

تعيش الفطريات العَفَنيّة هذه في البيئة المحيطة وتستوطن المواد العضويّة المُتحلّلة تحديدًا، مثل الأسمدة وغيرها من العُضويّات الطبيعيّة، والتربة، والأخشاب المُتعفِّنَة.

تقتحم الفطريات العَفنيّة جسم الإنسان عبر المجاري التنفسيّة باستنشاق أبواغها أو بالاتصال المباشر مع الأشياء المُلوّثة بهذه الأبواغ عبر الجروح أو الحروق في الجلد.

يمكن أن يُصيب الفطر الأسود عددًا من أجهزة وأجزاء الجسم المختلفةِ مُسبّبًا العديد من المشاكل المصحوبةِ بظهور أعراضٍ ترتبط وطبيعة الجزء المصاب، كأن تكون هضميّة، أو بوليّة، أو دماغيّة أو غيرها.

وعلى الرغم من أنّ علاج الفطر الأسود ممكن ومتاح، إلّا أنّ تأخُّر اكتشافه قد يُكلِّف المريض خسارة الجزء المصاب، مثل أحد عينيه أحيانًا، إذ من الممكن أن يخضع لإجراءٍ جراحيّ يتضمّن استئصال أنسجة العين المصابة في محاولة السيطرة على العدوى ومنع توغُلها أكثر.

ما سبب انتشار الفطر الأسود في الهند؟

بدأت أعداد الإصابات بفيروس كورونا المُستجد (SARS-CoV-2) بالارتفاع بمعدلاتٍ ملحوظة مؤخرًا في الهند في خضّم الموجة الثانية التي ضربت البلاد، وممّا زاد الأمر سُوءًا مرافقة مرض فيروس كورونا (كوفيد-19) لأنواعٍ من العدوى الثانويّة كالبكتيريّة والفِطريّة، ولعلّ أبرزها ما تصدَّر نشرات وعناوين الأخبار في معظم المواقع باكتساح الفُطار العَفَني "الفطر الأسود" وتسجيله لأعدادٍ متزايدة يومًا بعد يوم.

مرض الفُطار العفني أو الفطر الأسود غير شائع إلّا أنّه قد يكون خطيرًا وقاتلًا في حال تمكَّن من السيطرة على أجهزة معيّنة من الجسم بسبب تأخُّر التشخيص والعلاج، أيضًا وعلى الرغم من شُيوع الفطر الأسود مؤخرًا وتِرداد اسمه كثيرًا، إلّا أنّه لا يُعدّ حديث العهد كما يظُنُّ الكثيرون؛ إنمّا هو فطر عَفَني متواجد في الطبيعة من قبل، وقد تمكَّن اختصاصي علم الأمراض الألماني "بالتوف" Paltauf من وصفه لأول مرة في القرن التاسع عشر عام 1885، إلّا أنّ ظروف انتشار فيروس كورونا أتاحت له الفرصة حتى يُجهِز على أجسادٍ أنهكتها الأدوية والأعراض المَرَضيّة الأُخرى المرافقة.

تهيَّأت الظروف لانتشار الفطر الأسود في الهند نتيجة بعض العوامل والمسبّبات، منها،

  • المعدلات العالية لمرضى السكري في الهند والتي وصلت 57%؛ إذ إنّ مرض السكري هو أحَد الأمراض التي تبيح للفطر الأسود احتلال بعض أنسجةِ جسم المريض، لأنّ ارتفاع مستويات السكر في الدم يرفع من حمضيّته ما يُعدّ بيئة مثاليّة لنموّ الفطر الأسود.
  • ارتفاع مستويات الحديد لدى الكثير من المرضى.
  • انخفاض مستويات الأكسجين؛ إذ يعتقد بعض الخبراء بأنّ النقص الحادّ في الأكسجين الذي واجهتهُ المستشفيات، دفع بها لأن تسُدّ حاجتها منه من مصادر مختلفة أيًّا كانت، سواءً خزّانات أو أسطوانات قد تكون منتهيّة الصلاحية ولعلّها كانت مستعمرَة من الفطريات.
  • انخفاض كفاءة الخلايا البيضاء في مقاومة الأمراض نتيجة الأدوية الستيرويديّة (Steriods) التي يتناولها المرضى بكثافةٍ أعلى لتخفيف أعراض كوفيد-19.
  • طول فترة بقاء المرضى في المستشفى مع وَصلهم بأجهزة التنفس الصناعيّة أو حتى بدونها، يترافق ذلك مع انخفاض مستوى النظافة في بعض المستشفيات التي تقدِّم الرعاية لمرضى كوفيد-19.

ما مدى خطورة الفطر الأسود؟ وما هي أعراض الإصابة به؟

تكمُن خطورة الفطر الأسود في تأخُّر اكتشافه غالبًا لدى المرضى المُصابين به، ما يعرقل نجاح العلاج ويجعل الخيارات المتاحة أقل وفرةً ممّا لو اُكتِشِف وشًخِّص مبكّرًا، من الممكن أن يصيب الفُطار العفني أجزاءً مختلفةً من جسم الإنسان، وهو ما يترافق مع أعراضٍ تتلاءم وطبيعة الجهاز أو العضو الذي أُصيب بالخلل.

يعاني المرضى المصابين بالفطر الأسود بمجموعة من الأعراض الشديدة والتي يُعدّ أكثرها شيوعًا:

  • الصداع الحادّ بسبب استنشاق أبواغ الفِطر؛ ما يؤدّي إلى تهيُّج الجيوب الأنفيّة والأعصاب بالتالي الشعور بألم حاد في الرأس.
  • ضعف البصر؛ إذ إنّ انتشار العدوى في الجسم قد يصل للعيون مُسبّبًا انتفاخها وتكوُّن لطخاتٍ دمويّة فيها، بالتالي ضبابيّة الرؤية وعدم وضوحها.
  • انتفاخ في أحَد جانبي الوجه؛ تتأثّر عظام الوجنتين تحديدًا بهذا الانتفاخ، يصحب ذلك ألم وظهور بقعٍ وربمّا يعاني المريض ممّا يشبه النخر في الأنسجة على وجهه.
  • اختلاف لون الجلد حول جسر الأنف يصحب ذلك أيضًا انتفاخٌ حول ذات المنطقة وتفتُّت بالحاجز الأنفي، يمكن أن تظهر بقعٌ سوداء حول الأنف والعين في الحالات الشديدة.
  • اختلال وتراجع في الإدراك الذهني.
  • تشوُّش وارتباك.

كما ذُكر آنفًا، تختلف الأعراض بحسب العضو الذي يستوطنه الفِطر المُسبّب لحالة الفُطار العفني، ويمكن تصنيف الحالات كالآتي،

الفطار العفني الدماغي الحجاجي الأنفي (Rhinoorbital-cerebral mucormycosis)، إذ يقتحم الفطر في هذه الحالة الجهاز العصبي ممثَلًا بالدماغ ويؤثّر في العين والأنف، وهو أكثر أنواع الفطار العفني شيوعًا، ويتسبّب ببعض الأعراض:

  • بقع سوداء أو تقرّحات على الأنف أو في الجزء العلوي داخل الفم.
  • الحمّى.
  • الصداع.
  • انتفاخ في أحد جانبي الوجه.
  • احتقان في الأنف أو في الجيوب الأنفيّة.

الفطار العفني الرئوي (Pulmonary mucormycosis)، يستهدف الجهاز التنفُّسي مُمثلًا بالرئتين ويؤدّي إلى ظهور بعض الأعراض:

  • السعال.
  • الحمّى.
  • ألم في الصدر.
  • انقطاع النَفَس.

الفطار العفني الجلدي (Cutaneous mucormycosis)، قد ترتكز الإصابة بالفطر الأسود أحيانًا في الجلد نتيجة جرح أو حرق تمكّن من خلاله الفطر الدخول للجسم والتسبُّب بأعراضٍ مختلفة، منها،

  • الشعور بألم.
  • سخونة في الجلد.
  • ظهور بثور وتقرُّحات على الجلد.
  • احمرار وانتفاخ شديدين حول الجرح.

الفطار العفني الهضمي (Gastrointestinal mucormycosis)، يغزو الفِطر في هذه الحالة الجهاز الهضمي مُسبّبًا مجموعة من الأعراض:

  • الاستفراغ.
  • الغثيان.
  • النزيف الدموي.

كيف يمكن تشخيص الإصابة بالفطر الأسود؟

يعتمد نجاح العلاج في التخلُّص من الفطر الأسود على التشخيص المبكِّر واكتشاف العدوى قبل انتشارها وتوغُّلها في الأنسجة المُصابة، وعادةً ما يُكشَف عن الإصابة بالفُطار العفني بواسطة بعض الفحوصات:

  • التصوير بالرنين المغناطيسي (MRI).
  • التصوير المقطعي المُحوسَب (CT).
  • خزعة من الأنسجة المُصابة وتحليلها مخبريًا.

على الرغم من نجاعة الطرق السابقة في الكشف عن إصابة النسيج بالعدوى الفطريّة المُستهدَفة، إلّا أنّها تتضمَّن سلبيّاتٍ قد تُعيق إتمام التشخيص في أسرع وقت لإدراك الإصابة والسيطرة على الحالة قبل تفاقمها، مثلًا في حين يحتاج تصوير (MRI) وقتًا لإتمامه وقراءة وتحليل النتائج من قِبَل الاختصاصيين فإنّ تصوير (CT) قد لا يُمكِّن من التفرقة أحيانًا بين عدوى الفطر الأسود والتهاب الجيوب الأنفيّة.

ولأنّ عامل الوقت مهِّمٌ وحسّاس في علاج الفطر الأسود؛ فإنّ الخبراء يعكفون على إيجاد حلولٍ تشخيصيّة تفُوق تلك المتاحة حاليًا، إذ يطمحون إلى توكيد نجاعة ما يُعرَف بتفاعل البلمرة المتسلسل الكمّي (Quantitative PCR) في الكشف المُبكّر والسريع عن الفطر الأسود.

علاج الفطر الأسود، هل هو ممكن؟ وما هي الطرق المُتاحة؟

لمحاولة علاج أيّ مرضٍ لا بدّ من التعرُّف على أسباب الإصابة به لتيسير سُبُل التخلُّص منه والسيطرة على الحالات التي قد تتفشَّى بأسرع وقت، في حالة الفطر الأسود توجّهت أصابع الاتّهام إلى بعض الأمراض التي لعبت دورًا في رفع معدل الإصابة وأضعفت المناعة بشكلٍ أو بآخر، إلى جانب تناول الأدوية الستيرويديّة وارتفاع معدلات الإصابة بمرض السكري لدى السكان وغيرها من الأسباب الأُخرى، لِذا فإنّ الحلول العلاجيّة للفطر الأسود تمثَّلت بكُل من التالية:

  • تناول الأدوية المُضادّة للفطريات (Polyene, Amphotericin B Deoxycholate, Liposomal Amphotericin B) بتوصية من الاختصاصي؛ إذ يرتفع معدل نجاح مضادّات الفطريات في علاج الفطر الأسود عند استخدامها مبكرًا خلال 5 أيام الأُولى من الإصابة بما يُقارب 83%، في حين تنخفض نسبة نجاحها لتصِل 49% فقط في حال المباشرة بالعلاج بعد 6 أيام من الإصابة.
  • السيطرة على الأمراض الكامنة وراء رفع معدلات الإصابة بالفطر الأسود، مثل مرض السكري والحدّ من استخدام الأدوية التي تقلِّل من مناعة الجسم، وذلك بإشراف الطبيب المسؤول عن الحالة، إلى جانب تخفيف كميّة الأدوية الستيرويديّة المُستخدَمة في السيطرة على أعراض كوفيد-19، فهي تؤدّي إلى تخفيض مستويات المناعة ما يجعل اختراق دفاعات الجسم من الفطريات أمرًا سهلًا.
  • الإجراء الجراحي لإزالة الأنسجة المصابة بالفطر الأسود؛ ربمّا يلجأ الجرّاحون لعمليّة استئصال الجزء المصاب لتحسين حالة المريض التي تتردّى شيئًا فشيئًا جرّاء العدوى التي تفشَّت في أنسجته؛ إذ إنّ المُضاعفات التي يتسبّب بها مرض الفطار العَفَني مثل تجلُّطات الأوعية الدمويّة ونخر الأنسجة يحُول دون وصول مضادّات الفطريات لأماكن الإصابة، ما يقلّل حجم الاستفادة المطلوبة من الدواء، بالتالي يكون الحل بإزالة الأنسجة جراحيًّا ليتمكَن المريض بعدها من استعادة صحّته ومقاومة المرض والسيطرة عليه.

ممّا سبَق، يتضِّح جليًّا بأنّ علاج الفطر الأسود أو الفطار العفني والسيطرة عليه بنجاح يعتمد كثيرًا على توقيت تشخيصه؛ إذ إنّ الكشف عليه مبكرًا يرفع من كفاءة الحلول العلاجيّة المستخدمة ما يُمكِّن التخلُّص منه، وإذا ما تحدثنا عن الطريقة المُثلى في السيطرة على الفطر الأسود فيمكن تلخيصها بالنقاط أدناه:

  • تحديد سبب الإصابة بالكشف عن المرض أو المشكلة الصحيّة التي مهّدت الطريق للفطر الأسود ليغزو أجزاء الجسم أو بعضًا منها.
  • التدخُّل الدوائي المبكِّر باستخدام مضادّات الفطريات المناسبة.
  • التدخُّل الجراحي في الوقت المناسب لإزالة الإجزاء النسيجيّة المصابة.
  • تنظيف وتعقيم المستشفيات والأدوات المستخدَمة باستمرار للحدّ من انتقال الأبواغ المُسبّبةِ للعدوى.

المراجع

  1. Moore S. (2021-a). Mucormycosis symptoms. News Medical Life Sciences. Retrieved from https://www.news-medical.net/health/Mucormycosis-Symptoms.aspx
  2. Moore S. (2021-b). Mucormycosis treatment. News Medical Life Sciences. Retrieved from https://www.news-medical.net/health/Mucormycosis-Treatment.aspx
  3. Sandle T. (2021). Mucormycosis management. Retrieved from https://www.pharmamicroresources.com/2021/05/mucormycosis-management.html
  4. Centers for Disease Control and Prevention. (2021). Fungal diseases: Mucormycosis. Retrieved from https://www.cdc.gov/fungal/diseases/mucormycosis/index.html
  5. Kwon-Chung K. 2021. Taxonomy of Fungi Causing Mucormycosis and Entomophthoramycosis (Zygomycosis) and Nomenclature of the Disease: Molecular Mycologic Perspectives. Clin Infect Dis. 54 (Suppl 1): S8-S15. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3276235/
  6. Singh AK, et al. (2021). Mucormycosis in COVID-19: A systemic review of cases reported worldwide and in India. Diabetes & Metabolic Syndrome: Clinical Research & Reviews. Retrieved from https://doi.org/10.1016/j.dsx.2021.05.019
  7. India sees 259,551 new COVID cases, ‘black fungus’ adds to woes. AL JAZEERA AND NEWS AGENCIES. Retrieved from https://www.aljazeera.com/news/2021/5/21/india-sees-259551-new-covid-cases-black-fungus-adds-to-woes
  8. Citroner G. (2021). How COVID-19 surge is related to a black fungus outbreak. Retrieved from https://www.healthline.com/health-news/how-covid-19-surge-is-related-to-a-black-fungus-outbreak

مصدر الصورة: https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK549988/

كتابة: . ليلى الجندي - الإثنين ، 25 نيسان 2022

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية