مرض التوحد، الأعراض وطرق العلاج

اضطراب طيف التوحد هو أحد الاختلالات الوظيفيّة العصبيّة والتطوريُّة التي تُصيب الأطفال خلال مراحلهم العُمريّة المُبكّرة، إذ قد يُشخّص بعض الأطفال بالتوحد عند بلوغهم 18 شهرًا من العمر، ويُستخدم مصطلح "طيف" لوصف مرض التوحد للتعبير عن اختلاف وتنوُّع الأعراض المُرافقة لهذا الاضطراب والتي تختلف بشدّة أحيانًا من طفلٍ لآخر.

أكثر ما يتميّز به الأطفال المُصابين بطيف التوُحد هو الانعزاليّة وعدم القدرة على التواصل والتفاعل اجتماعيًّا مع من حولهم، إضافة إلى انتهاج سلوكيّات معيّنة وتكرارها لفترات طويلة، وانخفاض أو ربمّا انعدام الاستجابة السمعيّة لديهم. يمكن أن تتراوح حالات أطفال التوحد بين الطفيفة (أو ما يُشار له غالبًا بمتلازمة أسبرجر) إلى الشديدة بحيث لا يستطيع الطفل في هذه الحالة الاعتماد على نفسه لتلبيّة احتياجاته، وإنمّا يعتمد بشكل رئيسي على عائلته أو من يعتني به. يُذكَر بأنّ أنواعًا مختلفة اعتاد الناس على سماعها سابقًا فيما يتعلّق بالتوحد، مثل: اضطراب الارتقاء المنتشر، متلازمة أسبرجر، متلازمة ريت، الاضطراب الذاتويّ واضطراب الطفولة التحليليّة (الانتكاس الطفولي)، إلّا أنّ الاختصاصيين باتوا يستخدومن مصطلحًا واحدًا للتعبير عن هذه الأنواع مجتمعة، بما يُعرف الآن بطيف التوحد.

لا يزال السبب الرئيسي الكامن وراء إصابة بعض الأطفال بطيف التوحد غير معروفًا بوضوح، لكن يُرجّح بعض الباحثين في هذا الشأن تدخُّل بعض العوامل الجينيّة والبيئيّة في رفع معدل الإصابة بطيف التوحد.

على الرغم من أنّه لا يتوافر علاج لطيف التوحد وقد يُرافق الشخص طِوال حياته، إلّا أنّ التجارب أثبتت بأنّ التشخيص المبكّر وسرعة بدء العلاج قد يلعب دورًا مهمًّا في تحسين حالة المريض ورفع مستوى تواصله مع المجتمع من حوله.

الأعراض

يتشارك معظم المُصابين بطيف التوحد مجموعة من الأعراض والدلالات التي تُشير إلى إصابتهم بهذا الاضطراب، لكن قد يُظهر البعض أعراضًا تختلف عمّا قد يظهر على الآخرين من مرضى التوحد، إلّا أنّهم مثلًا يتشاركون بضعف أو انعدام التواصل البصري مع من حولهم، اهتمامات محدّدة جدًا (خصوصًا الألعاب التركيبيّة أو ترتيب القِطع، ...إلخ)، عدم القدرة على التواصل والتفاعل مع الآخرين، من الأعراض الأُخرى:

  • انخفاض أو ربمّا انعدام الاستجابة السمعيّة.
  • تِكرار بعض السلوكيّات لفترات طويلة، كأن يُواصل تحريك (هزّ) ساقيه، ضرب رأسه بالحائط أو تِكرار بعض الكلمات أو الجُمل.
  • الاعتياد على نسَق يومي واحد والانزعاج في حال تغييره.
  • إظهار إيماءات أو تعبيرات وجهيّة لا تتناسب مع الموقف أو الحديث المُلقَى.
  • الحديث عن اهتماماته بشكل متواصل دون أن يُلقي بالًا لردة فعل الشخص المُقابل أو عدم رغبته في سماع رأي هذا الشخص.
  • طبقة صوت غير عادية، تشبه طريقة الرجل الآلي أو بطريقة غنائيّة أحيانًا.
  • امتلاك مواهب وقدرات فريدة في كُل من: المسائل الحسابيّة، العلوم والفن، إضافة إلى ارتفاع كفاءة الذاكرة البصريّة والسمعيّة بحيث تمكّنهم من تذكُر الأحداث والمعلومات لفترات طويلة.
  • مشاكل في النوم.
  • حساسيّة مرتفعة لكل من الضوضاء، اختلاف درجات الحرارة، الإضاءة وغيرها، في حالات أُخرى قد لا يُبدي المريض أي انزعاج لأي من هذه الأشياء حتى لو كانت تستدعي الانزعاج.
  • عدم القدرة على إيصال رغباته واحتياجاته للأشخاص حوله.
  • عدم رغبتهم بالمعانقة غالبًا.

الأسباب

لا تزال أسباب الإصابة بطيف التوحد غير واضحة بشكلٍ جليّ وهي قيد البحث والدراسة، إلّا أنّ جُلّ ما توّصل له العلماء والباحثين لغاية اللحظة، هو وجود روابط وثيقة -نوعًا ما- بين مجموعة من العوامل وبين إصابة الأطفال بالتوحد، فمثلًا يُقرّ معظم العلماء بارتباط طيف التوحد مع الجينات، إضافة إلى أنّ إصابة أحد الأخوة بالتوحد يرفع معدل الإصابة لدى البقيّة، إلى جانب بعض العوامل الأُخرى مثل الإصابة ببعض الاختلالات الجينيّة أو الكروموسوميّة مثل متلازمة الكروموسوم X الهش أو التصلُّب الحَدَبي أو الدَرني.

يُمكن أيضًا أن تضُم قائمة العوامل المُحفّزة للإصابة بالتوحد تناول الأم لبعض أنواع الأدوية مثل: حمض الفالبرويك والثاليدوميد، أيضًا قد يكون لتقدم عمر الوالدين عند إنجاب الأطفال دورًا في إصابتهم بالتوحد.

العلاج

يعتمد علاج طيف التوحد على تخفيف الأعراض والمشاكل المرافقة مثل: الصرع، الاكتئاب، الوسواس القهري واضطرابات النوم، لكنّها لا تنجح في جميع الحالات، وغالبًا ما يلجأ اختصاصي الطب النفسي لانتهاج خطة علاجيّة تختلف من مريضٍ لآخر حسب ما يراه ملائمًا لحالته، إذ لا يوجد علاج محدّد وتامّ لتخليص المرضى من حالة التوحد، إنمّا تعتمد الخِيارات العلاجيّة على تحسين المهارات والسلوكيّات للمرضى ورفع قدرتهم على التواصل والتعبير.

غالبًا تتمحور طرق علاج حالات التوحد عبر التركيز على تحسين السلوك وتوجيهه نحو طريق إيجابي من خلال دراسة وتمحيص العوامل البيئيّة المحيطة بالمريض ومحاولة تغييرها قدر المُستطاع لتحسين فرص الشفاء، يُطلِق الخبراء على هذا النوع من العلاجات مسمّى التحليل السلوكي التطبيقي؛ إذ يعملون جاهدين على تحليل تصرفات الطفل المُصاب بالتوحد ومحاولة استعمال الأدوات المُتاحة لإخراج أفضل ما لديه في النواحي الأكاديميّة، وذلك بالتعاول مع الوالدين الّلذان يُكملان العلاج في المنزل من خلال دعم الطفل معنويًا وتعزيز ثقته بنفسه وتقوية بعض المهارات لديه بإعطاؤه مساحة للتعبير والقيادة، بينما يُستخدم نموذج دنفر للتدخل المبكّر لدى الأطفال حتى عمر الرابعة بدءًا من السنة الأُولى لتحسين مهاراتهم الاجتماعيّة أو ربما بنائها، من خلال الاعتماد على أداء النشاطات والألعاب المختلفة.

يسعى اختصاصيي الطب النفسي المتخصّصين في حالات التوحد أيضًا إلى رفع قدرة الأطفال على الاعتماد على أنفسهم وتخليصهم من الاتكّاليّة، من خلال مساعدتهم على تنفيذ واجباتهم اليوميّة لوحدهم، خصوصًا الشخصيّة منها كارتداء الملابس، غسل اليدين وغير ذلك. إلى جانب العديد من الطرق العلاجيّة التي ترتكز على تحسين طريقة التفكير وفهم الآخرين بالشكل الصحيح، ورفع قدراتهم على استخدام المصطلحات اللغويّة والتعبيرات الجسديّة الصحيحة عبر برامج متعدّدة وبمسميّات مختلفة حسب حالة الطفل.

يمكن في بعض الحالات أن يصِف المُعالج النفسي أنواعًا من الأدوية للسيطرة على بعض المشاكل الصحيّة المُرافقة، مثل الصرع، الاكتئاب واضطرابات النوم وغيرها.

#مرض التوحد #طيف التوحد #علاج طيف التوحد #اختصاصي الطب النفسي #التحليل السلوكي التطبيقي