الصحة النفسيّة بين مطرقة الخجل وسندان الجهل

انتشرت الاضطرابات النفسية مؤخرًا لتفرض نفسها واقعًا يحتاج لمزيدٍ من الاهتمام للخروج بتوصيات طبية ناجحة تُفيد المرضى في التخلص من المشكلات النفسية التي قد تصيبهم، ويٌعد كل من الاكتئاب والقلق وطيف التوحد واضطراب ثنائي القطب من أكثر المشكلات النفسية انتشارًا، ويمكن استشارة الطبيب النفسي للتخلص من الأعراض المزعجة.

اجتاحت عيادات الطب النفسي معظم عواصم العالم بما فيها الوطن العربي مُنبِئةً بحالة جديدة -إن صحّ التعبير- من التضخُّم في عدد الحالات التي باتت تبحث عن الاختصاصيين النفسيين بُغية الراحة والتخلُّص من الأسقام النفسيّة التي تنعكس على صحة الجسد عمومًا، وتتسبّب بأضرارٍ يمكن تجنُّبها في حال الانقضاض على الأسباب مُبكرًا.[1]

وعلى الرغم من أنّ المَولد الرسميّ لِما يُسمّى بالصحة النفسيّة جاء في مطلع خمسينيّات القرن الفائت، إلّا أنّه أضحى انتشارها الفعليّ ملحوظًا بوضوح في العقود الأخيرة، جرّاء الإنزلاقات المُتتاليّة على كافة الصُعُد الإقتصاديّة والصحية التي ألقَت بظلالها على قاطني هذا الكوكب وأردتهم ضحايا الصراعات النفسيّة، ما نجم عنه مجموعة من الاضطرابات النفسيّة المُتفاقمة ذات التأثير المباشر في الصحة العقليّة والجسديّة، وهو ما سلّط الضوء عليها وأعطاها هذا القدر من الأهميّة.[2]

المرض النفسي ليس عيبًا

لعلّ من أسباب تأخُّر الاعتماد على الطب النفسي في علاج المشكلات المُرتبطة بالحالة النفسية هو النظرة الجَمعيّة للمريض النفسي على أنّه فاقد الأهليّة لأداء معظم المهام الحياتيّة، وبأنّ مسيرة حياته قد أقفلت أبوابها بمجرد أن اشتكى من علّة نفسيّة قد أصابته، ما أرغم الأشخاص الّذين يُعانون من أيٍّ من الأمراض النفسيّة بأن يُعانوا بصمت أو أن يَعودوا أطبّاء علم النفس خُفيةً؛ خشية أن تُكشَف هويتهم أمام أحد المعارف والمُقرّبين، مُتجنّبين بذلك سيلًا من الأسئلة ووابلًا من النظرات المزعجة، وعلى الرغم من أنّ جزءًا من هذه المُعتقَدات ما زال قابعًا في ذاكرة المُجتمعات، إلّا أنّ معدل تقبُّل الأمراض النفسيّة والإيمان بضرورة إيجاد العلاج لها أصبح مُرتفعًا، يُدلّل عليه ارتفاع نسبة مُرتادي عيادات الطب النفسي-بحسب الاختصاصيين.[3]

ما هي الأمراض النفسيّة الأكثر انتشارًا؟

غَزَت بعض الأمراض النفسيّة شريحةً واسعة من المُجتمعات وأثّرت في صحّة الأفراد، خصوصًا اليافعين منهم، وهو ما دقّ ناقوس الخطر لدى الهيئات الصحيّة والمنظمات المسؤولة عن تطوير وتقديم علاجات ناجعة لكلِ مرضٍ على حِدَة، وقد أصبحت الأمراض النفسيّة كثيرة ومُتشعّبة، من أكثر الأمراض النفسيّة انتشارًا:[4][5]

  • القلق واضطراباته:

ألقَت التقلُّبات والأزمات العالميّة بظلالها على الدول وقاطنيها وانعكست سلبًا على تفاصيل حياتهم الصغيرة، إلى جانب الظروف الشخصيّة التي قد يتعرّض لها أيّ إنسان نتيجة عقبات ماديّة أو أُخرى أُسريّة، أو ربما مشاكل في الدراسة أو العمل، لِذا فقد احتلّ القلق والتوتر مساحة ليست بالهيّنة في حياة العديد من الأشخاص، وعلى الرغم من أنّ القلق عبارة عن رد فعل طبيعي تِجاه المواقف والأحداث إلّا أنّ استمراره ومواصلة تأثيره في نفسيّة الشخص يُحيله إلى مرضٍ نفسي يحتاج للتشخيص والعلاج بإشراف مختصّين بذلك، يُذكَر بأنّ للقلق أنواعًا مختلفة تنبثق عن مُسبّبات مُعيّنة، منها الهلع، والرُهاب بأنواعه (الاجتماعي، ... إلخ) وغير ذلك.

  • الاكتئاب:

لربمّا زار الاكتئاب، هذا الضيف الثقيل، غالبيّة الأشخاص هنا وهناك، ويمكن تعريف الاكتئاب بأنّه حالة سلبيّة من المشاعر الحزينة والمُغايرة للسعادة التي تجتاح أفكار الشخص المُصاب وتجعل منه فردًا مُحبَطًا غير قادر على أداء أيّ من المَهام والواجبات المُوكلَةِ إليه نتيجة غيمة الحُزن التي تُظلّله، إذ إنّ مُلازمة حالة الاكتئاب لِما يُقارب أسبوعين على الأقل تُوشِي بأنّ هذا الشخص قد يكون مُصابًا بالاكتئاب ويحتاج للعلاج.

  • التوحد أو طيف التوحد:

أحد الاضطرابات النفسيّة الناجمة عن تأخُّر نمو العقل لدى الأطفال -بحسب ما رجّحته نتائج البحوث والدراسات- ما يتسبّب بمشاكل وصعوبات في التواصل مع الآخرين تُقلّل من القدرات الاجتماعيّة وتجعل من الشخص المُصاب بهذا الاضطراب يميل للعُزلة وإظهار سُلوكات غير طبيعيّة قد تُنفّر أو تُزعج مَن حوله، اضطراب التوحد من الأمراض النفسيّة التي تحتاج لرعاية خاصّة، وكُل ما كان اكتشاف الحالة مُبكرًا كُل ما كانت فُرص الشفاء أو تخفيف الأعراض أفضل.

  • اضطراب ثنائي القطب:

عبارة عن حالة نفسيّة تُؤرجح الشخص بين مِزاجين مُختلفين، فتتملكّه مشاعر الاكتئاب والحزن تارة ويتحرّر منها بعد فترة ليُصاب بحالةٍ من الهَوَس الذي قد يكون جُنونيًا تارةً أُخرى، ليقود المريض لسلسلةٍ من التصرفات المُتهورة والمَحفوفة بالمخاطر التي قد تدفعه أحيانًا للتفكير بالانتحار، تجدُر الإشارة إلى أنّ بعض نوبات الهوَس قد تكون طفيفة وتنعكس إيجابًا على الشخص ما يُعطيه طاقة لأداء بعض المَهام، إلّا أنّ حالة ثنائي القطب عمومًا تستدعي طلب العلاج والإشراف الطبّي للسيطرة على الأعراض وتجنُّب تفاقمها.

هل يمكن أن أتجنّب الأمراض النفسيّة؟

أشارت العديد من المراجع والأوراق العلميّة إلى مدى نجاعة اتّباع أساليب حياتيّة صحيّة قد تُفيدُ في تجنيب الفرد الوقوع بمصيدة أحد الأمراض النفسيّة الشائعة في هذا العصر، ولربمّا ما كان يتردّد من أقوالٍ على المسامع مثل "العقل السليم في الجسم السليم" يُشير إلى قاعدة مهمّة في هذا الشأن، وهي ضرورة الحِفاظ على صحّة الجسم لإبقاء العقل سليمًا من أيّ أفكار سلبيّة قد تجتاحه مُسبّبةً مشاكل نفسيّة جمّة لاحقًا، ويمكن تنفيذ ذلك من خلال تناول الأصناف الطبيعيّة من الخضراوات والفواكه، وشُرب الماء بوفرة، وممارسة الرياضة بانتظام، والحرص على أخذ قِسطٍ كافٍ من النوم، إلى جانب العديد من السلوكات الاجتماعيّة التي قد تُنجِي الفرد من السقوط في ظُلمات الأمراض النفسيّة، كأن يُحافظ على تواصله الإيجابي مع الأصدقاء أو المُقرّبين من الأهل، وغير ذلك ممّا يُوصَى باتبّاعه.

يُنصَح دائمًا في حال بقاء الحالة النفسيّة بوضعٍ غير مُستقّر ولفترة ليست بالقصيرة بأن يزور المريض الطبيب النفسي المُختص، ليُوجِّههُ للعلاج الأنسب وينتشله من بئر السلبيّة وانعدام البهجة والسعادة.[6][7]

المراجع

  1. Okasha A, Karam, E. and Okasha T. 2012. Mental health services in the Arab world. World Psychiatry, 11(1): 52-54. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3266748/
  2. Bertolote J. 2008. The roots of the concept of mental health. World Psychiatry, 7(2): 113-116. Retrieved from https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2408392/
  3. American Psychiatric Association. 2018. What is mental illness? Retrieved from https://www.psychiatry.org/patients-families/what-is-mental-illness
  4. World Health Organization. 2019. Mental disorders. Retrieved from https://www.who.int/news-room/fact-sheets/detail/mental-disorders
  5. Cherry K. 2020. A list of psychological disorders. Retrieved from https://www.verywellmind.com/a-list-of-psychological-disorders-2794776
  6. Ten things you can do for your mental health. (n.d.). Retrieved from https://uhs.umich.edu/tenthings
  7. Mayo Clinic. 2019. Mental illness. Retrieved from https://www.mayoclinic.org/diseases-conditions/mental-illness/symptoms-causes/syc-20374968

كتابة: . ليلى الجندي - الإثنين ، 25 نيسان 2022

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية

تكلم مع استشاري نفسي أونلاين عبر طبكان
احجز