3 ملايين كمامة تُستخدَم خلال الدقيقة، تراكم مخلّفات الكمامات قد يكون ذو أثر سلبي صحيًّا وبيئيًّا

مع الانتشار الذي شهده العالم لفيروس كورونا المُستجد SARS-CoV-2 بداية العام المُنصرم، أوصت المُنظمّات والجهات الصحيّة العالميّة بضرورة الالتزام بمجموعة من الإجراءات الاحترازيّة التي من شأنها أن تؤمِّن الوقاية

مع الانتشار الذي شهده العالم لفيروس كورونا المُستجد SARS-CoV-2 بداية العام المُنصرم، أوصت المُنظمّات والجهات الصحيّة العالميّة بضرورة الالتزام بمجموعة من الإجراءات الاحترازيّة التي من شأنها أن تؤمِّن الوقاية ضدّ مرض فيروس كورونا (كوفيد-19)، خصوصًا وأنّ العلاج غير مُتاح حتى هذه اللحظة وما زالت الأبحاث جارية لإيجاده، أمّا اللقاح الذي قد يؤمِّن الوقاية ضدّ كوفيد-19 فقد بدأ توزيعه بعد إجازة استخدام أنواع منه في أواخر 2020، وفي ظلِّ التزاحم للحصول على اللقاح بين جُّل دول العالم وعدم قدرة بعض الدول على توفيره من الشركات المُصنّعة، تبقى الإجراءات الوقائيّة كالتعقيم وارتداء الكمامة وغيرها من الإجراءات أهم ما يمكن أن نتشبّث به لكسر حلقة انتشار فيروس كورونا.

يُضاف لكل ما سبق بأنّ مُضاعفات وأعراض الفيروس التاجيّ ما زالت تتكشَّف كل يوم مُنبئةً عن أسرارٍ جديدة تُضاف لقائمة البيانات التي يعكف العلماء على جمعها من المرضى حول العالم، وذلك في سعيهم الحثيث نحو السيطرة على الفيروس وتخليص البشرية منه، وحتى ذلك اليوم الذي ستتضِّح فيه الصورة بأكملها يتحتَّم عدم التهاون في التقيُّد بجميع هذه الإجراءات لحماية أنفسنا والمُقرّبين منّا ممّن قد لا يحتملون شراسة هذا الفيروس ونفقدهم للأبد.

اختلف الكثير من الاختصاصيين حول العديد من طُرق التعامل مع وباء كوفيد-19 حول العالم، إلّا أنّ الغالبيّة العُظمى منهم اتفقُّوا على أنّ الدرع الواقي حتى اللحظة يكون عبر التالية:

  • ارتداء الكِمامات في الأماكن العامة وحيث التجمُّعات.
  • تعقيم الأيدي والأسطح قيد الاستخدام.
  • الالتزام بالتباعد الجسدي بما لا يقِل عن 1 متر تقريبًا عن الأشخاص المُحيطين.

129 مليار كمامة تُستهلك شهريًا على مستوى العالم!

سارعت حكومات الدول عقب التوصيات الوقائيّة التي عمَّت العالم لمواجهة فيروس كورونا المستجد بتوفير المُستلزمات التي تُعين مُواطنيها على التقيُّد بهذه الإجراءات، عبر تصنيع وشراء الكمامات والمُعقِّمات بأنواعها، في المقابل تهافت سكان العالم على شراء الكمامات التزامًا منهم بالتعليمات الجديدة التي لم تعُد خِيارًا إنمّا قانونًا أقرّته عديدُ دول العالم وفرضته، لتصبح الكمامة عنصرًا أساسيًا يُضاف لقائمة الملبوسات اليوميّة التي يرتديها الشخص في حال اضطرّ لاجتياز عتبة منزله.

أظهرت بعض الدراسات التي أُجريت مؤخرًا بأنّ الاستهلاك العالميّ من الكمامات بلغ ما يُقارب 129 مليار كمامة شهريًا، ما يعني بأنّ 3 مليون كمامة تُستخدَم في الدقيقة الواحدة، على الرغم من فائدة الكمامات الجمّة في الحدّ من انتشار كوفيد-19 بين الأشخاص، إلّا أنّ مشكلةً أُخرى تنبَّه لها بعض المُهتمين والدارسين تكمُن في مصيرها بعد استخدامها وتراكمها في البيئة حولنا؛ فهي من المصنوعات التي تستهدف الاستخدام لمرة واحدة Disposable ليتخلَّص منها الشخص بعد ذلك ويستبدلها بأُخرى جديدة.

لماذا قد يُشكِّل تراكم الكمامات خطرًا على البيئة؟

تتكوَّن الكمامات من ألياف بلاستيكيّة دقيقة يصعُب تحلُّلها حيويًا في البيئة، وهُنا تكمُن الخطورة، إذ إنّ البلاستيك الذي تتكوَّن منه هذه الكمامات يتحوَل مع الوقت إلى قِطع بلاستيكيّة نانويّة أو دقيقة تتراكم في البيئة وترفع من منسوب التلوُّث، تجدر الإشارة إلى أنّ تراكم المُخلَّفات البلاستيكيّة سبق وأن شكَّل مشكلةَ بيئيّة أصبحت فيما بعد محور اهتمام العديد من المنظمّات والهيئات المَعنيّة في حماية البيئة والحِفاظ عليها، إذ يُقدّر إنتاج العالم السنوي من البلاستيك بما يُقارب 300 مليون طن ويُعتقَد بناءً على هذه التقديرات بأنّ إجمالي ما قد يُنتجه العالم من البلاستيك سيصِل إلى 33 مليار طن بحلول 2050، وبما أنّ البلاستيك غير قابل للتحلُّل الكامل حيويًا في البيئة فإنّ كُل مخلّفات البلاستيك تبقى لتتراكم مُسبّبةً العديد من الآثار الصحيّة والبئيّة السلبيّة على مختلف الكائنات، لتأتي الآن مخلّفات الكمِامات فتزيد الأمر سُوءًا على ما كان، خصوصًا وأنّ إعادة تدوير الكمامات حتى الآن غير مُتاح ويشوبه كثيرٌ من الشك لاحتماليّة أن تحمل الكمامات جراثيم يصعُب معها إعادة الإستخدام في الوقت الراهن على الأقل.

ممّ تتكوّن الكمامات؟

تتكوّن الكمامات الجراحيّة التي تُستخدَم لمرة واحدة من ثلاث طبقات الخارجيّة، الوُسطى والداخليّة، وهي كالتالي:

  • الطبقة الخارجية تتكوَن بشكلٍ رئيسيّ من مادّة غير ماصّة تكمُن وظيفتها الرئيسيّة في تأمين الحماية ضد الرذاذ السائل الذي قد يستقر على سطح الكمامات من الخارج؛ حتى لا يؤذي الشخص الذي يرتديها أو ينفُذَ عبرها، من أمثلة هذه المواد متعدّد الإستر أو البوليستر Polyester.
  • الطبقة الوُسطى تتكوّن من أقمشة غير منسوجة تعتمد بشكلٍ أساسيّ على مواد مثل"بولي بروبيلين Polypropylene" و"بوليسترين Polystyrene" يتّم تصنيعها ورفع كفاءتها على ترشيح القطرات العالقة في الهواء أو ما يُعرَف بالهباء الجوّي إضافة إلى التقاط الجراثيم بما فيها الفيروسات عن طريق استخدام قوة كهروستاتيّة Electrostatic forces دون التضحية بقدرة الكمامة على مقاومة الهواء.
  • الطبقة الداخليّة مصنوعة من مادّة ماصّة مثل القطن تُساعد على امتصاص بخار الماء.

مصير الكمامات بعد استخدامها والتخلُّص منها

يُعد بولي بروبيلين أحد أكثر البوليمرات المُستخدمة في صناعة الكمامات، إضافة إلى أنّه يدخل في تصنيع العديد من المواد البلاستيكيّة واسعة الانتشار، ومع الاستخدام المُتزايد للكمامات علاوةً على ما كان يُستخدَم من المواد البلاستيكيّة الأُخرى المُصنّعة فإنّ مشكلة التخلُّص من مُخلّفات الكمامات ومصيرها بعد استخدامها باتت تؤرِّق العديد من المُهتمين والدراسين في مجال البيئة.

تتعرَّض مخلّفات الكمامات لمجموعة من العوامل الجويّة أهمّها أشعة الشمس والحرارة، ما يساعد على بدء عمليّة التحلُّل التي ينجُم عنها جزيئات دقيقة الحجم من البولي بروبيلين بأعداد كبيرة خلال فترة قصيرة -ربمّا أسابيع-في حال تعرّضت الكمامات لعوامل التجوية في موضعها، إلّا أنّ مادة البولي بروبيلين تستعصي على التحلُّل الكامل نظرًا لمجموعة من المواصفات الفريدة التي تمتاز بها والتي تؤدّي إلى استمرار تراكمها في البيئة حولنا، أهمّها:

  • تُعدّ كارهة للماء Hydrophobicity بنسبة عالية.
  • ذات وزن جزيئي مرتفع.
  • تفتقد إلى وجود مجموعة وظيفيّة نشِطة في تركيبها.
  • تتكوّن من سلسلة متواصلة من وحدات متكرّرة من الميثيلين.

تكمُن خطورة تراكم الكمامات في البيئة وعدم قدرتها على التحلُّل الكامل بإمكانيّة انتقالها إلى الكائنات البحريّة أو المياه النظيفة عن طريق الرياح أو التيارات المائيّة التي تجرفها إلى غير مواقعها مُسبّبةً أضرارًا مختلفة.

خطورة الكمامات على الإنسان بعد تحلُّلها

صعّدت بعض الأصوات المُنادية للحِفاظ على البيئة والمهتّمين في ذات الشأن بضرورة الحذر والتنبُّه للمشكلة القادمة من جرّاء تراكم الكمامات في البيئة من حولنا، فقد سبق وأن شكّلت الأكياس البلاستيكيّة مشكلة بيئيّة أثرَّت على الحياة البحريّة وعلى صحّة الإنسان ما أدّى بكثيرٍ من الدول إلى الحد من إنتاج واستخدام هذه المُنتجات البلاستيكيّة والاستعاضة عنها بأصناف أُخرى أقلّ ضررًا على البيئة؛ وعلى الرغم من عدم توافر مصادر إحصائيّة حتى الآن تُشير إلى حجم المشكلة وكميّة الكمامات المُتحلّلة المُتناثرة خلال العام الفائت، إلّا أنّ الثابت من كل ذلك بأنّ تراكمها يُعدّ سببًا لتكاثر الكائنات الدقيقة المُمرِضة إلى جانب إطلاق بعض المواد الكيميائيّة الضارّة لصحّة الإنسان مثل "بيسفينول Bisphenol" (أحد المعادن الثقيلة).

تصاعد الخوف مؤخرًا من أن يتسبّب تراكم الكمامات بأضرار بنسب أعلى نتيجة التوجُّه لإنتاج جيل جديد من الكمامات المصنوعة من ألياف بلاستيكيّة دقيقة الحجم مصنوعة تحديدًا من ألياف بلاستيكيّة نانويّة؛ ما يُهيِّىء فرص تحلُّلها -غير الكامل- بمعدلات أسرع ممّا قد يحدث للمصنوعات البلاستيكيّة الأُخرى الأكبر حجمًا مثل الأكياس البلاستيكيّة.

ما هي الحلول والتوصيات المُقترحة للسيطرة على مخلّفات الكمامات؟

عند طرح أيّ مُشكلة لا بُدّ من التفكير في إيجاد الحلول المناسبة لسرعة تدارك الحدَث والإحاطة به، خصوصًا إذا ما كانت ذات صِلة بصحّة الإنسان وحياته، جائحة كوفيد-19 التي غزَت العالم وأردَت كثيرًا من قطاعاته صرعى تقاوم لتبقى ما استطاعت، ما زلنا نحتاج في مجابهتها استخدام الكمامات، فهي تُمثِّل الدرع الواقي الأول إلى جانب عددٍ من التعليمات الأُخرى في وجه الفيروس التاجيّ الذي حصد حتى اليوم ما يزيد عن مليوني ونصف المليون روحًا من معظم دول العالم، لِذا فإنّ التخلِّي عنها في الوقت الراهن غير مقبول، لِذا يبرُز التساؤل بأنْ ما هو الحل في خضّم المؤشرات المتزايدة التي تشير إلى ضرورة الحذر من أن تظهر مشكلة أُخرى تُنذر بعبءٍ مستقبليّ آخر على المجتمعات نتيجة تراكم الكمامات المصنوعة للاستخدام مرة واحدة؟

وباء كورونا ما يزال حديث العهد، إذ لم يتعدَّ عمره العام، لِذا فإنّ عواقب تراكم الكمامات المُستخدمة من مليارات البشر حول العالم لم تزل مجهولة العواقب وغير معروفة على وجه الدقّة، وتحتاج للدراسة واستكشاف الأثر البيئي والصحّي لمحاولة فهم طبيعة الأضرار التي قد تترتّب على مخلّفات الكمامات المُتراكمة هنا وهناك والطريقة المُثلى للتخلُّص منها.

قدّم الباحث الدكتور إلفيس غينبو Elvis Genbo بحثًا علميًا نشره مؤخرًا يُسلّط الضوء من خلاله على مصير الكمامات ويُقدّم مجموعة من المُقترحات التي قد تُضيء الطريق نحو التخلُّص منها ومنع تراكمها لتولِّد مشكلةً أُخرى، فالعالم اليوم مُنهَك بشعوبه وحكوماته وبالكاد يستطيع استجماع أنفاسه لمقاومة الفيروس وما تسبّب به من أضرارٍ صحيّة واقتصاديّة واجتماعيّة، وهو بالتالي أحوج ما يكون حاليًا لأن تمتنع أيّ مشكلة عن الظهور ريثما تتعافى الكرة الأرضيّة مما حلّ بها.

أشار الدكتور إلفيس إلى مجموعة من الحلول التي قد تساعد في تجنُّب الآثار الصحيّة والبيئيّة الناجمة عن تراكم الكمامات، يمكن تلخيصها في كل من التالية:

  • توجيه الباحثين لإجراء بحوث عاجلة تستهدف دراسة الأثر البيئي والصحّي الناجم عن تراكم الكمامات، إلى جانب بحث ودراسة كل ما يتعلَّق بمصير الكمامات بعد استخدامها بدءًا من طريقة نقلها الأفضل، كيفيّة تحلُّلها والمواد الكيميائيّة الضارّة أو المُمرِضات والألياف البلاستيكيّة النانويّة التي قد تنشأ عن تحلُّلها وما إلى ذلك ممّا يستوجب البحث لفهم طبيعة التعامل المُثلى مع المشكلة.
  • تخصيص حاويات لإلقاء الكمامات فيها.
  • اعتماد مجموعة من التعليمات الصارمة والتشديد على تطبيقها لتوكيد السيطرة على سلوك الأشخاص في التخلُّص من مخلّفات الكمامات.
  • الحثّ على استخدام الكمامات المصنوعة من القطن والقابلة للغسل والاستخدام المتكرّر، عِوضًا عن الكمامات الجراحيّة المُعدّة لأن تُستخدَم مرة واحدة فقط.
  • تطوير تقنيات جديدة لتصنيع أقنعة وجه أو كمامات من مواد قابلة للتحلُّل الحيوي، مع مراعاة العديد من الجوانب التي قد تترتّب على مثل هذه التقنيات الجديدة مثل ارتفاع تكلفة إنتاج مثل هذه الكمامات إلى جانب دراسة مدى أمان المواد الجديدة على الإنسان والبيئة.

المراجع

  1. Genbo E and Ren Z. 2021. Preventing masks from becoming the next plastic problem. Front. Environ. Sci. Eng. 15(6): 125. Retrieved from https://link.springer.com/content/pdf/10.1007/s11783-021-1413-7.pdf
  2. Zhang H, et al. 2020. Design of Polypropylene Electret Melt Blown Nonwovens with Superior Filtration Efficiency Stability through Thermally Stimulated Charging. Polymers. 12(10): 2341. Retrieved from https://www.mdpi.com/2073-4360/12/10/2341
  3. Johns Hopkins University of Medicine. 2021. COVID-19 Dashboard by the center for systems science and Engineering (CSSE) at Johns Hopkins University. Retrieved from https://coronavirus.jhu.edu/map.html
  4. World Health Organization. 2021. Coronavirus disease (COVID-19) advice for the public. Retrieved from https://www.who.int/emergencies/diseases/novel-coronavirus-2019/advice-for-public
  5. Cleveland Clinic. 2020. Coronavirus, COVID-19. Retrieved from https://my.clevelandclinic.org/health/diseases/21214-coronavirus-covid-19
  6. Bellasi A, et al. 2020. Microplastic Contamination in Freshwater Environments: A Review, Focusing on Interactions with Sediments and Benthic Organisms. Environments, 7(4): 30. Retrieved from https://www.mdpi.com/2076-3298/7/4/30
  7. International Bar Association. 2020. The negative environmental effects of plastics shopping bags. Retrieved from https://www.ibanet.org/Article/NewDetail.aspx?ArticleUid=76F8D2A9-1A1D-4A2F-8A6F-0A70149FD4D5

كتابة: . ليلى الجندي - الإثنين ، 25 نيسان 2022

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية