زيادة مُتوقّعة في أعداد مرضى السكري، والمتّهم: فيروس كورونا المستجد!

أشارت دراسة أُجريت على مجموعة منالمرضى في إيطاليا إلى احتمالية تأثير فيروس كورونا المُستجد في البنكرياس، ما يخلخل مستويات السكر في الدم ويرفعه مُسبًبا السكري النوع الثاني، أوصت الدراسة بمتابعة مستويات الجلوكوز في الدم لدى مرضى كوفيد-19 إلى حين التحقُّق من طبيعة العلاقة بين هذا الفيروس والسكري.

بعدما بدأ العالم يتعافى شيئًا فشيئًا من كوفيد-19 وويلاته التي ألقَت بظلالها على شتّى جوانب الحياة، بدأت تبرُز العديد من المشكلات لدى مُتعافي كوفيد بما بات يُطلَق عليه "كوفيد طويل الأمد"، وفي ذات المِضمار ووسط كل المحاولات الدؤوبة للعلماء والباحثين من هنا وهناك لإيجاد حلولٍ تقتضي بالسيطرة على الأمراض الأُخرى، لا سيّما المزمنة منها كالسكري ومحاصرة أسبابه، أطلق مجموعة من الباحثين تحذيرات بشأن علاقة تربط السكري بكوفيد-19، ما قد يتسبّب بارتفاعٍ إضافيّ في أعداد المُصابين بالسكري بين الناجين من كوفيد-19، إذ وبحسب الدراسة التي نشرتها مجلة Nature Metabolism في أيّار المنصرم تبيّن بأنّ لفيروس كورونا المُستجد SARS-CoV-2 آثارًا سلبيّة تصِل البنكرياس وتُمكّنه بالتالي من خلخلة قدرته في السيطرة على مستويات الجلوكوز في الدم ما قد يتسبّب لاحقًا بمرض السكري.

اشتملت الدراسة على معاينة 551 مريضًا بكوفيد-19 ممّن سجّلوا دخولهم لأحد المستشفيات في إيطاليا بداية الجائحة العام الفائت 2020، جرَت متابعتهم خلال إقامتهم في المستشفى وعلى مدار 6 أشهر بعد خروجهم منها، وللحصول على نتائج أدّق في خضّم السعي للتوصُّل إلى حقيقة ما يعاني منه هؤلاء المرضى، تمّ تزويدهم بأجهزة استشعار تُنبىء بمستويات الجلوكوز في الدم.

وقد جاءت النتائج مُلفتة لدى تمحيصها ومعاينتها، فقد سجّلت مستويات السكر ارتفاعها بين 253 من 551 مريضًا أثناء مكوثهم في المستشفى، بنسبة وصلت 46%، وقد واصلت مستويات الجلوكوز ارتفاعها لدى 35% منهم حتى بعد خروجهم من المستشفى ولمدّة 6 أشهر تقريبًا، في حين ثبُت تشخيص إصابة 2% منهم بمرض السكري النوع الثاني، أمّا البقيّة -نسبتهم 63% تقريبًا- فقد تراجعت أعراض ارتفاع السكر لديهم وأظهرت الفحوصات عودتها لمستواها الطبيعيّ.

اعتمادًا على التحليلات والقراءات التي رُصِدت لدى المرضى، والتي تمحورت حول ارتفاع مستوى الجلوكوز إلى جانب ارتفاع إفراز هرمون الإنسولين، تبيّن بأنّ الإصابة بكوفيد-19 انطوَت على حدوث خللٍ في الوظائف الإفرازيّة للبنكرياس، فتَمكّن هذا الخلل من مُلازمة متعافي كوفيد-19 لفترة طويلة والتسبُّب بمشاكل صحيّة مصاحبة له.

ما السبب في تأثير كوفيد-19 على مستويات الجلوكوز في الجسم؟

بحسب الدراسة، استطاع فيروس كورونا المستجد إظهار أثره السلبي في خلايا البنكرياس وعرقلة قدرتها على استكمال وظائفها، وعلى الرغم من أنّ طبيعة هذا التأثير ما زالت غير معروفة فيما إذا كانت مباشرة أو غير مباشرة، إلّا أنّه سبق وأن أثبتت بعض الأبحاث ارتفاع مستويات المادّة الوراثيّة mRNA للإنزيم المُحوِّل للأنجيوتنسين ACE2 في خلايا البنكرياس، ويُعدّ ACE2 المُستقبل الرئيسي لفيروس كورونا الجديد على أسطح الخلايا وهو القادر على تسهيل مهمّة اقتحامه لها، إضافة إلى ذلك، فإنّ عددًا آخر من الدراسات استخلَص بأنّ لخلايا بيتا الموجودة في البنكرياس قابليّة مرتفعة في تمرير فيروس كورونا المستجد عبر ACE2 وتسهيل دخوله للخلية.

وفي تفسيرٍ آخر لارتفاع مستويات الجلوكوز لدى مرضى كوفيد-19، ذهب الباحثون في تأويلهم للأسباب المُحتملة وراء ذلك إلى الاستجابة المناعيّة المُفرطة التي يتسبّب بها فيروس كورونا SARS-CoV-2 داخل الجسم؛ وذلك عبر تحفيزه لإنتاج كميّاتٍ كبيرة من "السيتوكين" (Cytokine)، في ما يُعرَف "بعاصفة السيتوكين"، ما يساهم في رفع مستوى الالتهابات الجهازيّة في الجسم التي قد تتسبّب بالتحفيز المُفرِط لخلايا بيتا في البنكرياس وتمكين حدوث مقاومة الإنسولين، ما يستهلك خلايا بيتا العاملة في البنكرياس ويستنفذ قدرتها على العمل ويُعطّلها في النهاية، مسبّبًا عديدًا من العواقب الصحيّة السلبيّة.

لِذا، واعتمادًا على التفسيرات والتحليلات السابقة، اعتقد الباحثون بأنّه من الممكن إعطاء المرضى حاصرات إنترلوكين Interlekin-6 (وهو أحَد السيتوكينات مُتعدّدة الأنماط الظاهريّة Pleiotropic)، وقد آتت أُكلَها وتمكّنت من تحسين وظائف خلايا بيتا في البنكرياس، بالتالي أظهر المرضى تحسُّنًا ملحوظًا في السيطرة على مستويات الجلوكوز لديهم مقارنةً مع أولئك الذين لم يتناولوا مضادّات إنترلوكين Anti-IL-6، ما أكَد صحّة افتراضاتهم في هذا الشأن.

لكن حتى اللحظة، ما زال يتساءل الباحثون حول الطريقة المُثلى في التعامل مع مرضى كوفيد-19 ذوي الاختلالات المرتبطة بمستويات الجلوكوز في الجسم، إذ إنّ الأدوية المُضادّة للسكري Anti-diabetic كالأدوية الحسّاسة للإنسولين أو تلك المُضادّة للالتهابات، مثل (Tocilizumb) وغيرها من الأدوية المُتاحة للاستخدام لمثل هذه الحالات، غير مُثبتَة وغير دقيقة النتائج بغرض الاستخدام الواسع لها في الظرف الراهن لدى الحالات المُستجدّة.

توصيات الدراسة لتفادي موجة جديدة من مرضى السكري

جاءت أهميّة هذه الدراسة -التي تُعدّ الأُولى من نوعها في تسليطها للضوء على العلاقة بين كوفيد-19 وأثره في البنكرياس- بأن أوصَت بضرورة متابعة مرضى كوفيد-19 الذين يدخلون المستشفى إثرَ إصابتهم بالفيروس المُستجد، وذلك بإجراء فحوصات دوريّة للكشف عن أيّ اختلالات في التمثيل الغذائي للجلوكوز في الجسم، سواءً خلال فترة تواجدهم في المستشفى أو بعد خروجهم منها، مع الاستمراريّة في المتابعة على المدى البعيد.

يُذكَر بأنّ فحص سكر الصائم أو الجلوكوز الصيامي (Fasting glucose test) لا يكفي للكشف عن مشاكل الجلوكوز في الدم، إنمّا يجب إجراء فحوصات أدّق لتجنُّب أيّ مضاعفات محتملة وعلاج المشكلة في مهدها قبل أن تتفاقم ويتعقَّد علاجها.

لا بُدّ من الإشارة إلى أنّ الدراسة على أهميّة ما جاءت به، إلّا أنّ لها أوجه قُصور ينبغي أخذها بعين الاعتبار، فهي أولًا اشتملَت على عيّنة صغيرة من المرضى، أيضًا لم تشمَل كِبار السّن ممَن هم في دائرة الأكثر عُرضَة لعديد المُضاعفات المرتبطة بكوفيد-19، إضافة إلى أنّ المرضى الذين شملتهم الدراسة كانوا من مستشفى واحد فقط.

المراجع

  1. McCarthy A. 2021. A coming wave of diabetes? The link with COVID-19. Retrieved from https://medicalxpress.com/news/2021-07-diabetes-link-covid-.html
  2. Fiorina P, et al. 2021. Acute and long-term disruption of glycometabolic control after SARS-CoV-2 infection. Nature Metabolism, 3, 774-785. Retrieved from https://www.nature.com/articles/s42255-021-00407-6

كتابة: . ليلى الجندي - الإثنين ، 25 نيسان 2022

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية