الوقاية من التهاب السحايا بقطرة أنف! ابتكارٌ جديد (2021) لباحثين في علم المناعة والأمراض المُعدية

تعتمد الدراسة على التعديل الجيني لأحد أنواع البكتيريا الموجودة في الأنف بما يُمكّنها من محاربة البكتيريا المُسبّبة لالتهاب السحايا في حال الإصابة بها، يمكن استخدامها من خلال قطرة أنفية وُصِفَت على أنّها ذات فعاليّة جيدة لدى تحليل النتائج، التهاب السحايا من المشاكل التي تصيب الأغشية المحيطة بالدماغ والنخاع الشوكي نتيجة اجتياحٍ فيروسي أو بكتيري، غالبًا.

في دراسة هي الأُولى من نوعها، أجرَى فريقٌ بحثيّ من جامعة ساوثامبتون (Southampton) ومركز ساوثامبتون للبحوث الطبية الحيوية في المملكة المتحدّة سلسلة من التجارب التي استهدفت علاج التهاب السحايا بالمكوّرات السحائيّة (التهاب السحايا البكتيري) (Meningococcal meningitis) بطريقة مُبتكَرة؛ وذلك في محاولة منهم للسيطرة على هذا النوع من المشاكل التي قد تكون خطيرة وقاتلة، خصوصًا في حال عدم السيطرة عليها خلال 4 ساعات من ظهور الأعراض.

يُذكَر بأنّ مثل هذه التجارب التي تستهدف علاج أنواع العدوى ذو الأُصول البكتيريّة، يُعدّ من الأهميّة بمكان لِما له من انعكاساتٍ جيّدة تُفيد في الحدّ من مقاومة البكتيريا للمُضادّات الحيويّة.

ما هو مبدأ العلاج المُزمَع لالتهاب السحايا؟

اعتمَد الباحثون في تجربتهم على هندسة جينات نوع من البكتيريا Neisseria lactamica تتواجد طبيعيًّا في بيئة التجويف الأنفيّ تحديدًا في الجزء الخلفي من التجويف البلعوميّ الأنفيّ مُتعايشةً بداخله، هذا التعديل الجيني يؤهّلها لأنْ تصبح قادرة على إزاحة البكتيريا المُسبّبة لالتهاب السحايا Neisseria meningitidis، والتي بدورها قد تتواجد أيضًا في الأنف والحَلق كامنةً لدى ما يُقارب 10% من الأشخاص، إلّا أنّها قد تقتحم مجرى الدم لدى البعض الآخر وتتمكّن من التسبُّب بأذىً يصِل مداه للأغشية المُحيطة بالدماغ (السحايا) ليتفاقم أحيانًا مؤديًّا لتسمُّم الدم.

بكتيريا N. lactamica المُتعايشة داخل الأنف تُشكِّل درعًا يقِي الشخص من الإصابة ببعض أنواع العدوى مثل التهاب السحايا الشديد، نتيجة احتلالها للتجويف الأنفيّ، ما يحُدّ من إمكانيّة أن ينجو أيّ نوعٍ آخر من البكتيريا المُمرِضة في ذات المكان، خصوصًا بأنّهما تتبعان لذات الجنس من عائلة Neisseriaceae، انطلاقًا من هذه الحقيقة استطاع العلماء استنباط فكرةٍ جديدة تقضي بإمكانيّة التعبير الجيني عن المُستَضِد Antigen الخاصّ بالبكتيريا المُسبّبة لمشكلة التهاب السحايا ضمن المادة الوراثيّة لبكتيريا N. lactamica لتصبح قادرة على مقاومتها دون التدخُّل الدوائي.

استهدفت التجربة محاولة إقصاء بكتيريا N. meningitidis من التجويف الأنفي وتقليل خطر تسبُّبها بالتهاب السحايا دون استخدام الأدوية عبر إدخال نسخةٍ من الجين الخاص بالبروتين السطحي على البكتيريا N. meningitidis ضمن المادة الوراثيّة DNA الخاصّة ببكتيريا N. lactamica، هذا البروتين هو المسؤول عن التصاق بكتيريا N. meningitidis المُمرِضة بالبطانة الداخليّة للأنف، بالتالي تصعيد عدائيّتها وتكاثرها لتتسبَّب بأعراضٍ شديدة لاحقًا لدى الشخص المُصاب.

أُضيفَت البكتيريا الجديدة المُعدّلة للأنف بواسطة قطرة تحتويها، ثم راقب الباحثون النتائج التي جاءت واعدة ومُبشِّرة بعد ذلك، إذ تمكّنت بكتيريا N. lactamica من مواجهة بكتيريا N. meningitidis ومنعها من استعمار الأنف لدى ما يُقارب 60% من الأشخاص الذين خضعوا للتجربة وتحفيز الاستجابة المناعيّة ضدّ التهاب السحايا، وهي نسبة جيّدة يمكن الأخذ بها كوقود يُحفّز إجراء مزيدٍ من البحوث التي قد تُهيِّىء الفرصة للتوصُّل لعلاجٍ جديد وفعّال ضدّ عدوى خطِرة قد تسلُب المُصاب حياته.

أيضًا أشارت النتائج بحسب الباحثين إلى أنّ القطرة الأنفيّة التي تحتوي على البكتيريا المُعدلّة تمكّنت من تأمين الحماية للأشخاص ضدّ أيّ أعراضٍ سلبيّة، لفترة تراوحت بين 28 يومًا -على الأقل- حتى 90 يومًا لدى 86% منهم.

تقنية أو تكنولوجيا البروتين المؤتلَف Recombinant protein التي اُستخدِمَت للوقاية من الإصابة بالتهاب السحايا بالمكوّرات السحائيّة، لها العديد من الاستخدامات الأُخرى التي تستهدف توظيف أنواع البكتيريا الصديقة لأنسجة الإنسان والتي لا تتسبّب بضررٍ له على أنّها ناقلاتٍ تستطيع حمل مُستضدّاتٍ معيّنة لمواجهة أنواع من العدوى الخطيرة التي تستطيع ولوج جسم الإنسان عبر الجهاز التنفُّسي العُلوي، أيضًا يمكن استخدامها كمصانع ذاتيّة داخل خلايا جسم الإنسان لتصنيع جزيئات من الأدوية العلاجيّة.[1][2]

ما هو التهاب السحايا؟

تُعرّف السحايا بدايةً على أنّها الأغشية التي تحيط بالدماغ والنخاع الشوكي وتحميهما، لكن قد تنجح بعض الأنواع من البكتيريا والفيروسات بالوصول للسحايا وإصابتها بالعدوى بما يُشَاع ويُعرَف بالتهاب السحايا، ولعلّ معرفة السبب الرئيس وراء إصابة السحايا والتهابها يُعدّ أهّم خطوات العلاج نحو انتقاء الدواء الأفضل وإنقاذ المريض.

يصيب التهاب السحايا سنويًّا نحو 5 ملايين شخص حول العالم، ويفقد 1 بين كل 10 أشخاص مُصابين بالتهاب السحايا حياتهم، بينما ينجو 2 بين كل 10 أشخاص مُصابين بالتهاب السحايا لترافقهم إعاقات تشمل الدماغ أو ربمّا تتمخّض الإصابة عن بتر أحد أعضائهم.[3]

ينقسم التهاب السحايا إلى نوعين شائعين أكثر من غيرهما أحَدهما بكتيريّ والآخر فيروسيّ؛ وفي حِين يكون التهاب السحايا الفيروسيّ مُزعجًا وحادًا لدى بعض الحالات، إلّا أنّه أقّل خطورة من التهاب السحايا البكتيريّ الذي قد يكون قاتلًا ويتطلّب تدخلًّا طارئًا وفوريًّا للسيطرة عليه؛ إذ من الممكن أن ينتهي بتسمُّم الدم وإحداث أضرارٍ دائمة في الأعصاب أو في الدماغ نفسه.

من أنواع التهاب السحايا الأُخرى أيضًا، التهاب السحايا الذي تُسبّبه الفطريات أو الطفيليّات أو ذاك الناجم عن ضربة مباشرة على الدماغ أو النخاع الشوكي، تسلُك البكتيريا، الفيروسات والفطريات ذات الطريق لنشر عدواها في السحايا، فهي تبدأ في الدم لتنتقل عبره وتصِل الدماغ أو النخاع الشوكي، ثمّ تتموضع هناك في الأغشية المُحيطة بهما (السحايا) لتتكاثر مُحدثةًّ العدوى التي يختلف تأثيرها اعتمادًا على نوع المُسبّب.

يمكن أن يفتِك التهاب السحايا بأيّ شخص في أيّ مرحلة عمريّة، إلّا أنّ الأطفال من حديثي الولادة حتى اليافعين هم ضمن الفئة الأكثر عُرضة من غيرها للإصابة بالتهاب السحايا.[4][5]

أعراض التهاب السحايا

غالبًا ما يُنصَح الآباء والأُمهّات بمراقبة أطفالهم وملاحظة أيّ علاماتٍ غير مُعتادَة عليهم، أمّا فيما يتعلَّق بالتهاب السحايا فينبغي على المُقيمين على رعاية أطفالهم أن يُحيطوا علمًا بأعراضه ليتسنّى لهم التدخُّل في الوقت المناسب وإسعافهم لأقرب مستشفى أو مركز صحّي، أبرز أعراض التهاب السحايا:[6][7]

  • الحمّى.
  • تيبُّس الرقبة.
  • التعب العام في الجسم.
  • الصداع الشديد.
  • الاستفراغ أو الغثيان.
  • النُعاس.
  • النفور والانزعاج من الإضاءة الساطعة.
  • الطفح الجلدي.
  • عدم الاستجابة للمؤثرات المُحيطة من الأشخاص حول المريض.

وفي حين يستطيع الأطفال بأعمارٍ معيّنة التعبير عن أوجاعهم والبَوح بها، إلّا أنّ الكشف عن التهاب السحايا لدى حديثي الولادة أو الأطفال دون مرحلة الكلام أو الوعي يعتمد على الأُم أو مَن يرعاهم، وغالبًا ما يتعيّن عليهم في هذه الحالة مراقبة ظهور أعراض أُخرى، مثل ظهور بُقع حمراء أو بنفسجيّة على الجلد، صعوبة الرضاعة، الحمّى، البكاء عند حمل الطفل، تقوُّس الظهر أو البُكاء بصوت مُرتفع أو قد يكون على هيئة صُراخ.

المراجع

  1. Laver JR, et al. 2021. A recombinant commensal bacteria elicits heterologous antigen-specific immune responses during pharyngeal carriage. Science Translational Medicine, 13(601). Retrieved from https://stm.sciencemag.org/content/13/601/eabe8573
  2. Public Health England. 2015. UK Standards for microbiology investigations [PDF document]. Retrieved from https://assets.publishing.service.gov.uk/government/uploads/system/uploads/attachment_data/file/444199/ID_6i3.pdf
  3. Meninigitis Research Foundation. 2021. Retrieved from https://www.meningitis.org/
  4. Centers for Disease Control and Prevention. 2020. Meningitis. Retrieved from https://www.cdc.gov/meningitis/index.html
  5. Lights V. 2019. What do you want to know about meningitis? Retrieved from https://www.healthline.com/health/meningitis
  6. UK National Health Services. 2019. Meningitis. Retrieved from https://www.nhs.uk/conditions/meningitis/
  7. Shroff A. 2021. Symptoms of meningitis. Retrieved from https://www.webmd.com/children/understanding-meningitis-symptoms

كتابة: . ليلى الجندي - الإثنين ، 25 نيسان 2022

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية