تقنية الواقع الافتراضي (VR) تحقق نتائجًا إيجابية في علاج بعض الاضطرابات النفسية، فهل تصبح العلاج النفسي الأول يومًا ما؟

حقّقت الدراسات التي تستهدف تجربة الواقع الافتراضي في علاج المشاكل النفسية تقدمًا ملحوظًا، إذ تسعى البحوث في هذا الصدد إلى تزويد المجتمع الطبّي اعتمادًا على الأدوات التقنية الحديثة بحلولٍ علاجية تُسهّل سُبُل التخلص من بعض الاضطرابات النفسية التي تؤثّر سلبًا في حياة البعض، وذلك بإنشاء بيئة افتراضية آمنة ومتاحة للباحثين عن العلاج.

باتت التجارب التي يُجريها الاختصاصييون في مختلف المجالات اعتمادًا على تقنية الواقع الافتراضي Virtual Reality (VR) مَثار اهتمام عديد الأوساط لِما قد تحققه من منافع على كافّة الأصعدة إذا ما اُستخدِمَت بطريقة صحيحة وفعّالة.

الطب والصحة، وتحديدًا الصحة النفسية حازت نصيبًا جيدًا من الاهتمام هي الأُخرى، إذ مكّنت البيئة الافتراضية التي يمكن بناءها عبر هذه التقنية من تجنيب المرضى العديد من المحاذير والمخاطر التي كانت تحفُّهم في حال حثّهم على التعرُّض للمُحفّزات التي تؤثّر عليهم في سبيل تخطّي الحالة النفسية السلبية التي كانت تستحوذ عليهم وتقودهم لعيادات الأطبّاء بحثًا عن العلاج.

إضافةً إلى ذلك، فإنّ تقنية الواقع الافتراضي تُمكّن الأطبّاء من التحكُّم في البيئة المحيطة بالمرضى من خلال تحديد التجربة التي يختارون لهم معايشتها بغرض العلاج، بالتالي تقيهم كثيرًا من المخاطر المُحتملَة التي قد يواجهونها واقعًا يمثُل أمامهم، وتُحسّن بذلك من فرص العلاج الممكنة.

استطاعت تقنية الواقع الافتراضي VR تحقيق تقدُّمٍ في علاج بعض الاضطرابات النفسية لِمَا تستطيع تقديمه للمريض من خلال أدوات تقنية تجعله يُعايش مخاوفه ومكمَن مشكلته النفسية دون أن يتحرّك من مكانه ودون أن يواجهها حقيقةً لصعوبة ذلك أو ربما لاستحالته أحيانًا، ما يخلق بيئة آمنة تُمكّن المريض من تجربة العلاج بالتعرُّض بإشراف الطبيب النفسي المختّص، مثلًا في بعض التجارب، أُسّست مشاهد افتراضية للمرضى الذين يُعانون من رُهاب المرتفعات، لتبدو صورًا متحركة ثلاثية الأبعاد ينغمس المريض بها حالما يرتدي النظارة المُهيَّأة لهذا الغرض، فيستجيب نفسيًا وجسديًا للمشهد الذي يمرُ به افتراضيًا دون أن يمرُّ به حقيقةً، ما يمكّنه من مواجهة مخاوفه ومحاولة تخطّيها باتبّاع أساليبٍ مختلفة بالتعاون مع طبيبه وبتوجيهٍ منه.

كما كان لتقنية الواقع الافتراضي نتائجًا إيجابية للمرضى المُصابين باضطراب ما بعد الصدمة وتحسين مستوى استجابتهم للواقع وتقبله شيئًا فشيئًا.

لا يزال العلاج النفسي اعتمادًا على الواقع الافتراضي حديث العهد مقارنةً بالعلاج التقليدي السلوكي، إلّا أنّ فوائده الكثيرة تُحفّز بالمضيّ قُدمًا في البحوث والدراسات التي تستهدفه، لعلّه يصبح يومًا ما أداةً رئيسية مُعتمدَة في علاج الكثير من الحالات النفسية التي قد تستغرق عديد الجلسات بالطرق التقليدية وغيرها من السلبيات التي قد تتفوق عليها تقنية الواقع الافتراضي بإيجابياتها ومزاياها.

لكن على الصعيد الآخر، يتوجّس البعض من تقنية VR مدفوعين بوجود بعض الثغرات التي لا بُدّ أن تُسَدّ قبل أن تصبح تقنيات الواقع الافتراضي بمحتوياتها العلاجية المختلفة أساسًا يُعتمَد في علاج الأمراض النفسية، إذ إنّ استخدام المشاهد الافتراضية يمدُّ الجسر للتقنيين المسؤولين عن بناء الأنظمة التي تعتمد عليها هذه التقنية، ما يعني بأن تفعيل المشهد المُراد وغمس المريض فيه لا يتطلّب أكثر من وجوده وارتدائه نظارة الواقع الافتراضي إلى جانب التقني المسؤول عن بدء التشغيل!

إلّا أنّ هذا بالطبع غير دقيق طبيًا، فالمريض بخوضه التجربة الافتراضية يتعرَّض لمشهدٍ حيّ قد يمثّل أقصى مخاوفه، فلا بُدّ أن ينعكس على مشاعره واستجابته الجسدية، ما يستدعي مراقبة العلامات الحيوية لديه، كضربات القلب وضغط الدم والتنفس وغيرها، إلى جانب المعرفة الكاملة بطبيعة هذه القراءات ليتمكّن المشرف على المريض من إنهاء التجربة في الوقت المناسب حرصًا على حياته ولضمان الاستجابة المُثلى.

الدراسات الكثيرة التي تنهال صوب إثبات أو دحض الواقع الافتراضي في علاج المشاكل والاضطرابات النفسية تتوالى يومًا بعد يوم، وهذا بالطبع يتطلّب وقتًا وجهدًا ومزيدًا من البحث قبل أن تصبح المعرفة المؤكدّة بمدى نجاعة هذا العلاج تراكمية، ليُمكن بعدها قبول الواقع الافتراضي كأداة علاج رئيسية ومعتمدَة للمرضى النفسيين، أو رفضها، خصوصًا في ظلّ التزايد المستمر في أعداد مرضى الاضطرابات النفسية، إذ وبحسب منظمة الصحة العالمية يُتوقَع أن تتصدّر المشاكل النفسية قائمة الأمراض التي تؤثر في سكان الدول بحلول عام 2030.

المراجع:

Baghaei N, Liang H-, Billinghurst M, Naslund J and Oyekoya O (2022) Editorial: Virtual Reality and Mental Health: Opportunities to Advance Research and Practice. Front. Virtual Real. 3:838036. doi: 10.3389/frvir.2022.838036

Martin, S. (2019). Virtual Reality Might Be the Next Big Thing for Mental Health. Scientific American, Retrieved 12 December 2022 from https://blogs.scientificamerican.com/observations/virtual-reality-might-be-the-next-big-thing-for-mental-health/

كتابة: فريق المحتوى الطبي - طـبـكـان|Tebcan - الخميس ، 08 كانون الأول 2022

الأكثر قراءة

مواضيع متعلقة

آخر المواضيع المتعلقة

أسئلة و أجوبة

آخر الأخبار

فحوصات

أمراض

علاجات

أدوية